خرجت كعادتي بسيارتي المتهالكة التي يدور بيني وبينها حرب سجل تدور رحاها حول دراهم معدودة كلما دخلت جيبي أخرجتها أوجاع سيارتي فخرَّت مغشيا عليها حتى تلهتم ما في جيبي، لدرجة أني كلما استقبل جيبي درهما وضعت يدي على قلبي ولاطفت المقود وتمهلت في قيادتي ولكن دون جدوى.
المهم تمضي الأيام وأن على هذا الحال، أصَبِّرُ النفس وأمَنِّيها بغد أجمل ، وبينما أنا أتعايش مع الحاضر وأحلم بالمستقبل استوقفني رجلان قد تقطَّعت بهم السبل وقد توقفا وسط الطريق في وقت قد فرضت فيه حرارة الشمس سطوتها فلا شيء يتحرك في ذلك الوقت إلا لضرورة تحت أجهزة التكييف وقوارير الماء البارد، فرأفت لحالهم وتوقفت لهم فأسرعوا بفتح الباب؛ علَّهم يجيدون نسمة هواء بارد تطفيء حرارة أجسادهم التي شارفت على الإنصهار، ولكنهم تفاجأوا أن وقوفهم تحت أشعة الشمس كان أرحم بهم من دخول السيارة، فقد تحول داخل السيارة إلى فرن يشوي كل من بداخله، فعاجلتهم بقنينة ماء فاتر فشربوا وعادت لهم أرواحهم، فحكوا لي قصتهم وطلبوا مني أن أوصلهم للمشفى لإلقاء نظرة الواداع على صديق لهم قد وفاه الأجل، فاصطحبتهم إلى المكان الذي يريدون وعند وصولنا عرضوا علي النزول معهم لإلقاء النظرة الأخيرة على فقيدهم، فنزلت وذهبت دون تفكير كثير، فأنا بطبعي شخص فضولي قد أذهبت حرارة الشمس ما تبقى من حكمته وتصرف دون شعور، وعند وصولنا للثلاجة سحب صاحبها درجا كبيرا لم أتكهن ما بداخله وحين فتح الدرج وإذا بشخص ممدد عليه آثار وعثاء المرض وقد شخصت عيناه واصْفَرَّ وجهه وتيبَّست أطرافه، فانكب عليه أصدقائه تقبيلا وبكاءًا، وبينما أنا في هذا المشهد بين حرارة الشمس ولهيب المشاعر، وإذا بالهاتف يرن فاستيقظت من نومي وتنبَّهت أني كنت فضوليا حتى في منامي ...