Echoes - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

Echoes

أصداء للموسيقى

  نشر في 30 أكتوبر 2018  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

انقضى يوم طويل، رأيت أن استغل نهايته بتمشية طويلة نسبياً؛ تمشيةِ من شأنها إرهاقي كما من شأنها إبعاد نفسي عن المنظر المحبط لليل المدينة.

ودعت الأعزاء وانطلقت، إتخذت من النيل يساري ومن أُم كلثوم صاحبة لي، اختارت أن تشدو ب "بعيد عنك" . حفلة طويلة تناسب طول الطريق، والنيل.

أُحب الهدوء، وأحيانا كنت أتجنب الإستماع لتلك الحفلات، لشدة صخب المستمعين، وتارات أُخرى أكون أنا أشد صخباً. أدركت أن خدعة بسيطة قد تلهيني عن هذا الصخب؛ إعتمدت على تصفُح المارة في الفواصل الغنائية، وارتأيت أن المُحبط بالمدينة ليس الليل، بل الأشخاص المتعبين في سيارة متهالكة عالقة في منتصف زحام لا ينتهي. وبالرغم من أني ارتبكت غير مرةٍ لعين تفحصتني، فقد أشغلتني "الست" عن الطريق وأهله مرة، وأشغلني الطريق عن الست مرة حتى اتخذت من السيارة مقعداً يحملني للمنزل. 

طغت ضوضاء مجاذيب الست على هدوء السيارة والطريق فودعت صاحبتي، واخترت قائمة قد أعددتها مسبقاً لمثل هذة الظروف؛ الحادية عشر مساءً، طريقٌ حالك الظلمة، وأنغام هادئة سرعان ما بَهَتتْ لألحانٍ أُخرى نبعت من ذاكرتي؛ لحن بدأ بنهاية يومي، تذكرت الأعزاء الذين ودعتهم منذ ساعة، وتذكرت صحبتهم لي طوال يومي، تشبيهي للإنسان بوعاء فارغ في حوار  مع أحد الأصدقاء.

 كما انفرجت شفتاي عن إبتسامة أثناء تذكري لحوار طويل مع صديق عن الفوتوغرافيا؛ وكيف أني أرى الصور الثابتة معدومة القيمة، على عكسها الصور التلقائية -التي لا يضطر صاحبها لإتخاذ أي وضعية- هي أكثر جمالاً  وأكثر إثارة للمشاعر. 

نادرا ما إنتبهت لما يدور في الخلفية الموسيقية لهذا المشهد إلا ثوان معدودةـ أتذكر خلالها Adele فاجئتني بأن 

Everybody loves the things you do"

From the way you talk

"To the way you move

أعود مرة أخرى فأتذكر الفوتوغرافيا؛ الصور التي التقطتها لأصحابي اثناء الأجازة الأخيرة، قد لا أكون مصوراً بارعاً ولكن بالتأكيد نجحت في الحفاظ على هذة الذكرى.

صالت ذاكرتي وجالت في أحداث وعادت بي للظهيرة؛ انتهيت للتو من دروسي الإكلينيكية، رافقني اصحابي المسير ولقينا الخارجين من إختباراتهم، مُرهقين ومغلوبين -ويَطرَب القلب لرؤيتهم- جلسنا وتشاركنا الحديث والطعام والضحك، واكتست قلبي بهجة لما زال ما بدا من جفاء، وهممنا بالرحيل. 

ثوان منذ أن بدأنا تحركنا، قطعتهم ثانية التقت فيها عينانا، ثانيةٍ ضئيلة الوزن في محيط الزمن، قوية لدرجة أني تم انتزاعي من ذاكرتي كانتزاع "هاري" من  Pensieve.


لم ينتزعني دمبلدور بالطبع، لكن توم يورك؛ طفِقَ يحكي عن تلك التي لم ينعم بالتقاء عينها معه لغرابة أطواره، ولأنها "so very special" ، حكاية جعلتني أتعجب -إن لم تكن بالفعل قد أدركت المغزى- عشوائية حياة جمعتني بالفتاة، وذكراها، وأُغنية استمعت إليها مئات المرات، وتغنيت بها آلاف أُخرى. وأحسستها في تلك اللحظة بالذات.


تبسمت قليلاً وأنصت لباقي الأغنية بينما يدور المشهد في رأسي آلاف المرات، وفي كل مرة اسأل " ماذا لو لم يكن creep؟" ولم أكن انا كذلك.


أثار ما حدث في رأسي تساؤل قديم، وراح عقلي يدور حول الكلمات واللحن وما تعنيه الموسيقى لي.

تتوقف السيارة ويتوقف عقلي عن الدوران حول النغمات. أعود للمنزل، تنطفئ الأنوار واحداً تلو الآخر وتسودّ الغرفة كأنها اختفت من الوجود. استلقي طالباً النوم، رغبةً في الراحة ورغبةً أكثر في إعادة تمثيل يومي في عالم آخر؛ عالم طريقه ممهد بحكاوي الغناء، بإنكسارات القلوب وبهجتها، وبمخاوف العقول.


للتو علم. وخرجت الأمور عن السيطرة،  عليه تقبل أنه وقت الحساب. أخبر صديقه الذي بدوره لم يحرك ساكناً، وذهب.
عاد الصديق بكلمات مُقفّاه وسأل. "تغني؟"
كعادته لم يرفض طلبا للغناء، ولم يلبث طويلاً ليدرك أن الكلمات هي تأبينه، الأيدز لعين، ولن يمر وقت طويل حتى يفتك بحياته في الوقت ذاته الذي يسأل "?Does anybody want to take it anymore" 

تمر القصة أمامي وتنساب الموسيقى لرأسي، أقاوم ثقلاً يعتلي جفوني، وأتذكر.


الشمس توشك على الغروب، يتلوها قلوب أُناس أجبرتهم الحياة على الغروب، لراحة مؤقتة، يتبعها تكرار محاولة البحث عن لا شيء.
ترتكز عيناك على البعيد الجالس، ضعيف البنيةِ تكسوه سٌمرة، ولا يختلف عن أولئك المُجبرين. 
يجلس في مكان ألفه في عهد مضى، وعاد إلية مَخموراً بأمل زائف. 
لم تمر ساعة حتى أشرقت عليه؛ نيِّرة الوجه، دقيقة الخطى، كانت قد اتخذت من الغزلان عيوناً، ومن النسيم رشاقةً ومن سُمرتهِ لوناً. 
إرتجف قلبه لرؤيتها، وقد كان قبل ذلك يطرب، ثم جلسا وتحدثا، وطال الحديث حتى ذكرتهم نسمات الفجر بموعد الرحيل، فرحلت وبقى، وما لبث الى أن عادت مرة أخرى في خياله، وجلسا.

 " جددت حبك ليه ... بعد الفؤاد ما ارتاح

حرام عليك خليه ... غافل عن اللى راح"

أثارت الغنوة ما أثارت من خلافات ولم يتبق منها سوى الكلمات الرقيقة التي تمتزج باللحن كما لو كانا شيء واحداً، أضف إليها تنقلات السنباطي السلسلة بين المقامات عند "حرام عليك" لتعطي الست "فَرشّة" للتطريب. ويستمر الوضع الى أن يصل قمته عند المنتصف. 


لكن ماذا إن اختفى الكلام نهائياً؟




أعتقد أن قصيدة الكمان هذة مُحملّة بمشاعر تفوق كل غناء العالم، مهما عظمت بلاغته.

الأمر أنه ليس من السهل وصف تلك المشاعر، فالمقطوعات الموسيقية دائما شخصية،  moonlight sonata مثلاً؛ غالباً ما تُؤخذ على كونها رومانسية، ولكن بمجرد أن يدق أول إصبع للبيانو، يصيبني الرعب ولا شيء سوى الرعب!


قرأت مرة تفسيراً تطورياً يذكُر أن الإنسان الأول تعامل بالأصوات لتفسير المشاعر، وأن اللغة تطورت كبديل في المواقف الجادة. تفسير لم أُعنى بالتأكد من صحته. ولكنه يعطي ولو نبذة عن أصالة الموسيقى داخل أدمغتنا، أو عن آلام المسيح على صليبه مثلاً. 


تتوقف السيارة ويتوقف عقلي عن الدوران حول النغمات. أعود لمنزلي طالباً النوم، رغبةً في الراحة ورغبةً أكثر في إعادة تمثيل يومي في عالم آخر، وربما، أستطيع أن أرى الموسيقى هناك.





   نشر في 30 أكتوبر 2018  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !


مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا