نقيب الحِنَينين - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

نقيب الحِنَينين

مستوحي من قصة حقيقة.. لكنها ستحدث مستقبلا.

  نشر في 26 فبراير 2021  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

في صباح يوم ٢٤ يوليو عام (٢٠٥٢) ضجت الصفحات الأولي للصحف المحلية المصرية بنبأٍ عن جريمة غامضة حدثت في أحد أحياء القاهرة القديمة؛ حيث:

"عُثر علي شاب في مقتبل الثلاثينات مشنوقا داخل غرفته بينما يسكن جسد أبيه في الصالة الخارجية بطعنة نافذة بآلة حادة في الصدر"


وحتي يجد فريق البحث الجنائي تفسيرا لتلك الواقعة؛ دعني أُخبرك بتفاصيلها لأني _ في هذا التوقيت من الماضي بالنسبة لزمن الواقعة_ الوحيد الذي يعرف ماذا حدث.


دعني أروي لك القصة علي لسان الشاب "مُهند" القتيل.


كان يوما هادئًا مُملا كعادة أيام العطلات الرسمية؛ وتلك المرة هي الذكرة المئوية تقريبا لثورة ٢٣ يوليو؛ وكانت وسائل الاعلام تضج كالعادة ببرامج الاحتفالات والاغاني الوطنية؛ كل شيء علي ما يرام بنفس الرتابة علي مدار مائة عام.


أجلس أنا "مهند" _ذو الواحد وثلاثين عاًما وأعمل في مجال علوم الحاسب وأمن المعلومات؛ وهو مما يسميه البعض في تلك الأيام من مجالات "القمة" حيث لا يَنُله إلا المتفوقون والأوائل؛ وكالعادة اقتضي راتبا شهريا بالكاد يكفيني مصداقًا للمثل الشعبي الشهير " من برة هالله هالله ومن جوة يعلم الله"_ إلي جانب أبي الدكتور محمود استشاري المخ والأعصاب؛ وكانت مهنة الطب فيما مضي مهنة قمة أيضا حسب تصنيف المجتمع آنذاك؛ لكن فيما يتعلق بالأمور المادية فأنا وأبي "في الهوا سوا".


منذ أن بدأت سنيني الأولي كمراهق كنت أُعير اهتماما بالغا لجسدي وبنيتي وتكويني العضلي وأذهب لصالات رفع الأثقال وأنفق الكثير علي ذلك.. وما زلت.


كان حُلمي أن أُصبحَ نجمًا مشهورا في مجالٍ ما يعتمد علي قوة جسدي ووسامتي الي حد كبير؛ لكن أبي بتقاليده القديمة وما تبقي مما يسمي "الدين" منعني بحُجة أنه عيب وحرام مع أن دار الافتاء ذاتها قالت أنه ليس حراما في فتواها الأخيرة؛ لا أخفيكم سرا؛ أنا أُكن الضغينة لأبي بسبب ذلك التعنت؛ لولاه لكنت صاحب ملايين وأعمل بما أنا شغوف به أيضا بدلا من المهنة الرتيبة تلك التي أتقاضي منها  بعض الملاليم.


ولكن كل شيء علي ما يرام إلي أن جاءت الشاعة التاسعة بتوقيت القاهرة؛ تعودت أن أجلس مع أبي في أيام العطلات نُشاهد برنامجا لاعلامية شهيرة تستضيف نجوم المجتمع ذوي النجاحات المُبهرة والمُلهمة؛ حتي لا يشعر بالوحدة بعد وفاة أمي ولا أخفيكم سرا فإني قد سمعت أحد الشيوخ وأنا صغير ذات مرة يقول أن الله يغضب لو تركت والدي هكذا دون ما سماه "بِر الوالدين" تقريبا عندما كانت هناك صلاة جمعة؛ لكن لا أحد يهتم.

بدأ البرنامج وظهرت المذيعة السَمِجة وكان لسوء حظي ضيف حلقة اليوم هو السيد " ماجد الطحان" (نقيب الحِنَينين) ؛ قدوتي في الحياة؛ لا تعلمون كيف أحب ذلك الرجل.


إنه مُناضل حقًا؛ كم عاني هذا المسكين ليصل إلي حقوق بني مهنته ويؤسس لهم نقابة ويجعل لهم صوتا بين أمة ومجتمع متخلف جاهل لا يؤمن بالتحضر.

دار الحوار الآتي في التلفاز بين المذيعة وقدوتي:


- سيد ماجد أنا سعيدة جدا وأكادُ لا أصدق أني أجلس معك شخصيا؛ هلا قصصت علينا مسيرتك الملهمة وكيف حققت كل هذا النجاح لتصير بذلك قدوة شباينا المعاصر ومثلهم الأعلي؟؟


* أهلا بكِ سيدتي؛ أنا لا أستطيع أن أقول أن قبل كل شيء ما أنا فيه لم يكن ليحدث إلا بتوفيق الله لي في كل خطوة وبركته.


أنا كبرتُ في ظروف صعبة للغاية في حي شعبي وأسرة معدمة؛ كنت لا أجد ثمن رغيف خبز في بعض الأيام؛ ولكني كُنت مهتما بجسدي ولياقته قدر الامكان؛ كنت أؤمن دائما _رغم أني لا أقرأ ولا أكتب_ أنا الله وهبني هذا الجسد القوي لغرض ما ورسالة معينة في تلك الدنيا.


ظللت علي تلك العام حتي بلغت الثانية والعشرين من عمري؛ كنت أجلس في حارتنا حين ظهر أمامي الحاج "عُمر القزاز"؛ وهو يعمل في شرم الشيخ ويأتي هُنا لقضاء إجازة بين الحين والآخر.


حين رآني الحاج قال لي ما رأيك يا ماجد أن تأتي معي إلي شرم الشيخ وأجد لك عملا تتكسب منه وتنفق علي أمك بدلا من هذا الفقرالمدقع.


بالتأكيد لم أتردد وسافرت معه إلي هُناك؛ وجدت نفسي الآن أمام المهنة الأعظم في تاريخ البشر؛ فقد عرض علي الحاج أن أعمل (حِنين).


الحِنين تُطلق علي كل من يبيع جسده وعاطفته من الرجال للنساء المحرومات من العطف مقابل المال.. المال الكثير... جدا


في البداية ترددت للحظات؛ فكان بعض المسلمون المتشددون آنذانك يحُرمون مهنة الحنية كعادتهم يحرمون كل شيء وكنت أخشي أن يتسببوا في أذي لأمي لأن الكثير منهم يسكن حولنا.


ولكني أدركت مُبكرا والحمد لله أن تلك هي الرسالة التي أرسلني الله لها في الأرض؛ أنا صاحب رسالة ولا بد أن أقف أمام هؤلاء ولا أهتز.


كيف لإنسان يعطف ويشفق علي امرأة أجنبية مُسنة فقدت العائلة والزوج والأمان وجاءت لتبحث عن ذلك حتي لو بمقابل مادي؛ أظن أن ذلك خير لها  من الانتحار والاكتئاب والموت وحيدة.


كيف لهؤلاء المتخلفون أن يُحرموا أحب الأعمال إلي الله؛ فك الكربات وادخال السرور علي قلب إنسان.


حقا ان الله لم يهبني العلم ولكن وهبني جسدا قويا يُمَكنني من مساعدة تلك المسكينات علي مواجهة عذاب الوحدة.


ناضلت وكافحت من أجل رسالتي وكم واجهت من الصعاب حتي أنني تعرضت لمحاولة اغتيال؛ ولكن علي قدر إيماني برسالتي علي قدر كرم الله لي لأنه يعلم صدق إيماني به؛ حاربت مثلي مثل من سبقوني من العظماء فناني المهرجانات والراقصات وغيرهم ممن نهرهم هؤلاء المتخلفون وضيقوا عليهم بحجة الدين والعادات والتقاليد وكاشا لله أن يُحرم الأفعال الانسانية.



اليوم أنا ملياردير ونقيب الحِنينين ولن أهدأ حتي نؤسس وزارة في الحكومة لذوي تلك المهنة السامية.


(انتهي اللقاء التلفزيوني).


لم استطع انا اتمالك نفسي حين سمعت أبي يصب اللعنات علي مثلي الأعلي ويتهمه بالتدليس  ويقول ان الله نجاني ان أقع في مثل تلك المهنة التي كنت أحلم بها ويلومني علي عدم تقديري له أن منعني وجعلني في القمة أتقاضي الملاليم..



احتد بيننا النقاش فتركته ودخلت الي غرفتي؛ أمسكت هاتفي أقلب في الصور والذكريات؛ حلمي المفقود.. حبيبتي التي تركتني بسبب فقري.. أصدقائي الحنينين الذين حققوا جميع احلامهم وتركوني وحدي.. بكيت.. كثيرا.


كتبت منشورا علي صفحتي الشخصية " الآن حان وقت النهاية"

قررت الانتحار شنقا؛ أعددت كل شيء وخرجت إلي الصالة لأحضر كرسي خشبي أقف عليه ثم أركله بقدمي مستسلما لحبل المشنقة.. فَعلتها أخيرا..


أنا لم أقتل أبي ولن أفعل أبدا ولكن يبدو أنه فعل مثلي ليلحق بي في الجحسم سريعا ليكمل وصلة توبيخه لي..


انطفأ المشهد بالكامل الا من ضوء شاشة التلفاز وكان يُعرض علي الشاشة صورة لرئيس راحل يُدعي عبد الناصر يشير بالتحية الي الموطانين من عربة قطار وفي الخلفية أغنية لمطربة قديمة تقول (أنا إن قدر الإله مماتي لا تري الشرق يرفع الرأس بعدي).





   نشر في 26 فبراير 2021  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا