قدم رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، الحصيلة المرحلية لنصف ولاية حكومته، تلتها، بعد أيام، مناقشة بسيطة على مستوى البرلمان بمجلسيه (النواب والمستشارون)، واكبتها تغطية واسعة من طرف وسائل الإعلام. ويأتي تقديم نتائج فريق العمل الحكومي الذي يقوده التجمع الوطني للأحرار تفعيلاً للفصل 101 من الدستور.
وقد دافع عزيز أخنوش عن حصيلة حكومته مؤكداً أنها نجحت في أداء مهامها في فترة زمنية لا تتعدى سنتين ونصف، وقال أخنوش إن رهان الحكومة الثابت، تفعيلا للتوجيهات الملكية، هو أن لا يترك مواطن مغربي أو أسرة مغربية عرضة للفقر والهشاشة، دون دعم عمومي يحفظ كرامتهم، بالإضافة إلى رهان إنجاح التغطية الصحية، ورهان بناء مدرسة الجودة وتكافؤ الفرص لجميع أبناء المغاربة، بالإضافة إلى رهان تقوية مناعة الاقتصاد الوطني وتشجيع الاستثمار المنتج لفرص الشغل.
الواقع هو أن حكومة أخنوش قامت بمجهودات محمودة وحققت نتائج لا بأس بها، ولكنّ هذه النتائج كانت دون مستوى تطلعات شرائح عريضة من الشعب المغربي، وخاصة حول عدم وفاء الحكومة بوعودها بإلغاء نظام التعاقد وزيادة 2500 درهم في أجرة أساتذة التعليم، مسجلا حدوث اضطرابات أدت إلى إضرابات بنسب ومدد غير مسبوقة أوقفت الدراسة في التعليم الأساسي وفي كليات الطب والصيدلة.
إن الأرقام والمؤشرات التي قدمها رئيس الحكومة تدل على مجهودات حقيقية وتعكس التزام الحكومة بتفعيل البرامج الاجتماعية، خاصة برنامج الحماية، لكن هذه المؤشرات والبرامج لم تنعكس على واقع المواطن المغربي وخاصة ان المغرب ليس بمعزل بالسياق الدولي سيما تلك المرتبطة بتداعيات «كوفيد- 19» وتصاعد التوترات الجيوسياسية، أدت إلى زيادة الضغوط التضخمية بشكل غير مسبوق.
وبما أن المغرب ليس بمعزل عن هذا السياق الدولي، فإن هذه الوضعية المقلقة أثرت على الاقتصاد الوطني، ولهذا تم وضع سياسات عمومية فعالة على المستويين الميزانيتين والنقدي للتخفيف من آثار التضخم المستورد، ساهمت بشكل مباشر في الحفاظ على القدرة الشرائية للأسر والقدرة التنافسية للمقاولات، وأتاحت الفرص المناسبة لتعافي الاقتصاد الوطني.
ومكنت هذه التدخلات من عكس المنحى التصاعدي لمعدلات التضخم، بوتيرة أسرع مقارنة بدول أخرى، فبعدما بلغت نسبة التضخم ذروتها في فبراير 2023 بنسبة 10.1 في المائة، تراجعت عند 4.9 في المائة و3.6 في المائة على التوالي في يوليوز ونونبر 2023، واستقرت في 0.3 في المائة في فبراير 2024، و0.7 في المائة في مارس 2024، وبفعل التدخلات الهادفة للحكومة، عرفت أسعار المواد الغذائية بشكل خاص تراجعا سريعا، رغم تداعيات الجفاف الحاد، فبعدما سجلت نسبة 20 في المائة في فبراير 2023، تباطأت إلى 11.7 في المائة و6.7 في المائة على التوالي في يوليوز ودجنبر 2023، وإلى – 0.4 في المائة في فبراير 2024.
كما أعلن أن الحكومة واجهت ارتفاعا غير مسبوق في نسبة البطالة راجع بالأساس إلى التداعيات القوية للأزمات الاقتصادية التي واجهتها الحكومة - فقدان أزيد من 420 ألف منصب شغل خلال جائحة كورونا- حيث وصلت نسبة البطالة إلى 13 في المئة سنة 2023، موضحا أن برامج الحكومة في هذا الباب قد خففت من حدتها عبر برنامج «أوراش» الذي رصدت له ميزانية سنوية ب 2،25 مليار درهم، حيث تمكنت الحكومة من خلاله من خلق أزيد من 200 ألف منصب شغل، وبرنامج فرصة بميزانية تصل إلى 1،25 مليار درهم سنويا، حيث تمكنت الحكومة من تمويل أزيد من 20 ألف حامل مشروع، بالإضافة إلى الحفاظ على مناصب الشغل المحدثة، من خلال مجموعة من الإجراءات الضريبية التي استهدفت مقاولات القطاع الخاص بالإضافة الى تخصيص دعم مباشر لعدد من القطاعات الاستراتيجية.
من جانب آخر، كشف أخنوش أنه، بعد التنصيب الملكي للحكومة، لم تجد هذه الأخيرة أي نص قانوني يتعلق بتنزيل مشروع التغطية الصحية رغم أن القانون الإطار للتغطية الصحية صادق عليه البرلمان في أبريل 2021، وهو ما فرض عليها بذل مجهودات استثنائية لإعداد مختلف القوانين والمراسيم التي سمحت لها باحترام تنزيل هذا الورش وفق الأجندة التي حددها الملك محمد السادس، وأشار أنه تم تسجيل 2,4 مليون مهني من غير الأجراء، وفتح باب الاستفادة من نظام التأمين الأساسي عن المرض أمام 6 ملايين مستفيد وذوي الحقوق المرتبطين بهم، معتبرا أن مشروع «الدولة الاجتماعية» ليس شعارات، بل قرارات فعلية وإجراءات ملموسة.
حصرت الحكومة سياساتها على تفعيل شعار «الدولة الاجتماعية» الذي كان من أهم محاور البرنامج الحكومي الذي تضمن مجموعة من الالتزامات الدالة على البعد الاجتماعي للسياسات العمومية المقبلة، وهو ما يمكن استخلاصه من خلال الالتزامات العشر للحكومة، أبرزها، إحداث مليون منصب شغل صافي، وتفعيل الحماية الاجتماعية الشاملة، وإخراج مليون أسرة من دائرة الفقر والهشاشة، وحماية وتوسيع الطبقة الوسطى وتوفير الشروط الاقتصادية والاجتماعية لبروز طبقة فلاحية متوسطة في العالم القروي، وتعميم التعليم الأولي لفائدة كل الأطفال ابتداء من سن الرابعة مع إرساء حكامة دائمة وفعالة لمراقبة الجودة؛ وتقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية.
كما أن الميثاق الوطني للحوار الاجتماعي يشكل سابقة وطنية ويضع معالم نموذج مغربي للحوار الاجتماعي، من خلال تكريس مبدأ السنة الاجتماعية، وإرساء حكامة مبتكرة للحوار وهيكلته على المستويين الوطني والترابي واتخاذ آليات ناجعة لمواكبته، وترى الحكومة أن إقرار مبدأ سنوية الاجتماعات كان الهدف منه القطع مع الطابع الموسمي الذي كان يكتسيه الحوار الاجتماعي، وإعطاءه دينامية جديدة ترتكز على مبادئ الانتظام والاستمرارية، والتمكن من تتبع السير الميداني للاتفاقيات المبرمة على المستويين القطاعي والترابي، ويتيح قياس التطورات الحاصلة في المناخ الاجتماعي على المستوى الوطني.
من جانب آخر الحكومة عملت على تنزيل الإصلاحات الهيكلية الكبرى المتعلقة بالمجال الاستثماري، باعتباره أبرز الآليات للارتقاء بالاقتصاد المغربي، حيث أخرجت الميثاق الجديد للاستثمار بتوجهات وتحفيزات استثمارية جديدة استحضرت الاختلالات السابقة التي عانى منها النموذج الاستثماري السابق، وخاصة ما يتعلق بالتفاوتات المجالية وعدم توجيه الاستثمار نحو القطاعات الواعدة، التي يسعى المغرب إلى ضمان التفوق القاري والدولي من خلالها وتحقيق الإقلاع الاقتصادي في توافق تام مع مرتكزات النموذج التنموي الجديد. كما قامت الحكومة بتفعيل صندوق محمد السادس للاستثمار، بالإضافة إلى إخراج نصوصه التطبيقية وضخ الموارد اللازمة التي تمكنه من لعب أدواره الرئيسية، باعتباره آلية جديدة ومبتكرة لخلق وإنجاز المشاريع والمقاولات، هذا بالإضافة إلى إصلاح منظومة الحكامة الخاصة بالاستثمار، من خلال إعادة هيكلة المجالس الجهوية للاستثمار وربطها بالوزارة المكلفة بالاستثمار.
وهنا تقول الحكومة انها رفعت من الاستثمار العمومي من 231 مليار درهم سنة 2021 إلى 245 مليار درهم سنة 2022، ثم 300 مليار درهم سنة 2023، فـ 335 مليار درهم سنة 2024، كما سجلت إصدارات الاستثمار سنة 2022، نسبة قياسية بلغت 83%. وبفضل تعزيز الاستثمار العمومي ودعم أسعار المواد الاستهلاكية، تحسن حجم الطلب الداخلي بنسبة 3٪سنة 2023، على الرغم من استمرار التضخم وآثار الجفاف. وبالموازاة مع ذلك، عرف حجم صادرات السلع والخدمات تحسنا واضحا بنسبة 20.4% سنة 2022 و10.9 %سنة 2023، مكنت من امتصاص تأثير الارتفاع الحاد في الواردات بنسبة 9% و6.5% على التوالي خلال هاتين السنتين بسبب ارتفاع الأسعار عالميا.
لهذا فحصيلة الحكومة تبيّن مجهودات لا بأس بها عرفت جدية على مستوى الحوار الاجتماعي، بعد أن بقي لسنوات داخل غرفة الإنعاش ونجحت في حدود معينة في مواجهة تحديين كبيرين، يتجلى أولهما في التحدي اليومي والتدبيري عبر اتخاذ قرارات لتدبير الأزمة يوميا كدعم المحروقات الخاصة بالمهنيين ودعم القطاع السياحي واتخاذ إجراءات خاصة بالمقاولات والرفع من ميزانية المقاصة خارج التوقعات وغيرها من الإجراءات؛ فضلا عن التحدي الآخر المرتبط بالقطاعات الاستراتيجية التي تتجاوز الزمن الانتخابي والحكومي كإصلاح قطاع التعليم والمنظومة الصحية ومجال الاستثمار والجبايات وإن كانت نتائج الإصلاح في هذه القطاعات يحتاج إلى الوقت، ولكنها لم تستطيع التسويق لإنجازاتها حيث ان عدد من وزراء أشباح الذين بدا ظهورهم باهتا أو أنهم ظلوا يغردون خارج السرب، طيلة نصف عمر الحكومة هذا دون الاغفال دواوين وزراء تعج بالموظفين الأشباح.
-
يوسف قريشرئيس مركز المتوسطي للدراسات الاستراتيجية