جرحٌ مضيءٌ في قلبي ، هكذا يبدو الأمر ، يتلون كل برهة بلون مختلف ، ألوان كل أولئك الذين مكثوا فيه لفترة ورحلوا ، الأصفر ، لون لا هو بالمتوهج ولا المنطفئ ، أصفر باهت عديم الجمال ، هذا هو الميت بداخل القلب ، جثته الباردة تبعث هذا اللون المقزز ، تنتفض بين كل حين وآخر ، تحسب أنها بانتفاضتها قد تعود للحياة ، قد تبعث أي لون غير لونها العقيم ، ولكنها لا تعيش ابدا ولا تبعث ابدا غير هذا اللون .
أزرق حزين شفاف لا ينبعث من الجرح فقط ، بل يتسرب ليشمل كل القلب ، يلفه ويحتضنه ، يجعله يرجف بالحزن العميق للحظة بعدها يخمد القلب ولا يخمد اللون ، هذا هو الرفيق ، الرفيق الضائع ، الراحل ، الذي يعلم جيدا أن غيره لن يبعث من جرح القلب ذلك اللون ابدا ، كما يعلم أن لوني في قلبه ليس كمثله لون ، ومع ذلك رحل ، رحل تاركا في القلب تلك الزرقة الداكنة ، المؤلمة ، التي تذكرني دوما بالخسارة الفادحة ، وتبعث مع اللون آاااه طويلة يصدح صداها في السماء وتتوه هناك بلا نهاية وتتردد بلا انقطاع ويسمعها كل من لم يجد أحدا ليفهمه ، كل من لبث في وحدته الداخلية طويلا بعد أن ضاع منه رفيق الروح وظلت زرقته في القلب متصلة بزرقة السماء فكأنما الكون كله قد تجمع في ذاك الجرح فأخذ ينبض نبضات متوجعة لا نهاية لها !
الأحمر ، جرحي الطري ، ألمه يختلف عن أي لون ، هذا هو ألمي الجديد ، ينزف مع اللون دماء قاتمة ، تنضح بألم لا أعرف كيف أتعامل معه كما لا أعرف كيف أوقف النزيف ، الدموع المالحة تتسلل من خلايا روحي إليه فتزيد التهابه ، لون يصرخ بلا توقف ولا يسمعه أحد ، الأحمر بتوهجه ، أكثر ما يؤلمني أنه كان النور الذي أضاء ظلام قلبي ، ولكنه نور خادع ، ما آتاني من نوره إلا الجروح والدماء ، كيف انقلبت هكذا ، يا نوري الجميل ، يا نوري الشفاف الدافئ الجميل ، كيف تسللت منك كل هذه الدماء ، كيف انقلبت هكذا يا دوائي ، كيف أصبحت دائي ، يا حبيبي ، يا جرحي ، كيف أخلص القلب من ذلك اللون الدموي ، كيف أتداوى بدائي ، كيف أموت ؟!
أصفر ، أزرق ، أحمر .. والأخضر .. ذلك اللون الجميل الذي ما مس قلبي إلا للحظات خاطفة ، لا تشبع ولا تروي الجدب ، ولا تعيد البساتين في قلب آذاه جفاف أرضه القاحلة ، متى يأتي لون أخضر يارب ، كم أتوق إليه ، كم أشتاقه ، كم أترجاه !
ولكن إلى الآن يا قلب ، نصيبك في ألوان ثلاثة ، أصفر ، أزرق ، أحمر ، ثم ينقلب الجرح فجأة إلى أسود ينبعث منه دخان يشير إلى اختناق ، إلى حرائق لا تنتهي إلا لتبدأ ، أسود ما بعد الاشتعال ، أسود يريد الموت ولا يناله ، ظلام ، هل سأظل في ذلك الظلام طويلا ؟! أم يرحمني الخالق فيبعث لي الأخضر ليلتئم الجرح و يرجع إلى قلبي البائس الحياة ؟!
-
آلاء عبد السلاميا قارئي لا ترج مني الهمس لا ترج الطرب .. هذا عذابي ، ضربة في الرمل طائشة وأخرى في السحب .. (محمود درويش)
التعليقات
إذا سأل أحدهم عن كيفية إجتماع الحزن والجمال فلا بد أن يُدل إلى مقالك