حضرت خطبتي ، وصليت جمعتي ، وهممت أن أذهب إلى المسجد الكبير بقريتي ، كي أصلي على جارتي ، لكن قدر الله ولم أصلِ عليها ، فمشيت مع المشيِّعين حتى وصلنا مقابر القرية ، وبينما أنا أدخل مشارف المقابر حتى خُيِّل لي أنني من مات ، وهؤلاء جاءوا يشيعونني ، ومن أصحابي من يودعونني ، ومن أهلي من يبكونني ، ومن أحبابي تحترق قلوبهم علّهم يقبلونني ، وعندها لم أشعر بنفسي إلا ودموعي على خديّ تجري ، وآهات من صدري تعلو زفرات تخرج مع أنين حسرةً وحزنا ، ثم وقفت أمام قبرها ؛ فإذا بأبنائها يخرجون تتابعا !!
فقلت يا حسرتي ؛ سيمشي من عندي قبري يوم موتي أحب الناس إليَّ مسرعين هكذا ! يا ويلتي !!
لم أستطع أن أغلق عينيّ على دمعهما ، ولا صدري على أهاته ، فأطلقت لنفسي ما تريد ؛ فسمعت صوتا يأتي من داخلي يقول لي : يا مسكين ؛ يغلقون عليك قبرك لتبيت فيه وحدك ، ومنهم من ينظر كي لا يترك لك منفذا لبصيص من شعاع من نور يدخل إلى قبرك لتعيش في ظلمات وحدك ، وفي أشد لحظات حاجتك إلى دعائهم يتركونك بين أيدي منكر ونكير ليسألونك وتجاوب وحدك ، ثم أنت بين جواب ثابت بتثبيت الله لك ، أو متلجلجل لا تدري ماذا تقول !!
فبادر بعمل صالح ، وعلم نافع ، وركيعات في وقت سحر ، وصدقة في خفاء ، ونصرة مظلوم ، وتفريج مكروب ؛ عسى الله أن يجعل ذلك في ميزانك يوم تقف بين يديه وحدك ، واعلم أن بيننا وبينهم يوم الجنائز.
-
السيد الأميرإذا لم تستطع شيئا فدعه ** وجاوزه إلى ما تستطيع. ^^