عندما دخل أحمد مع أباه إلى المقهى التي لا تبعد عن مكان إقامتهم كثيرا، إبتسم أباه لأنه شعر بالارتياح فور وجود المقهى قرب سكناه. كانت تلك المقهى تعج بالأشخاص، الشباب و الشيوخ، لكن العم مسعود لم يستطيع أن يتوجه إلى اي زاية من المقهى. لأنه لم يجد طاولة فارغة فتوتر قليلا لأنه جاء إلى مكان لا يعرف فيه أحد، و فزع من فكرة ان يتواجد بالمقهى كل يوم و يبقى جالسا وحيدا. وفي هذه الحالة من التفكير الوجيز، تقدم إليه الشاب الذي يعمل في مقهى و اخبره أن يختار مكانا ويجلس فيه لكن احمد اخبره ان المقهى ممتلئة، فالتفت الساقي كثيرا باحثا عن مكان فلم يجد سوى مكان واحد، طاولة وضعت تحت راديو عتيق جلس فيها، رجل في عمر الأربعين، يترشف قهوته في سكون و يسمع الرايدو بكل اصغاء.
طلب منهما بكل هدوء الانظمام إليه. و توجه إلى المخزن أحضر معه كرسيين. في حركة سريعة استأذن الشاب من ذلك الاربعيني بمشاركة احمد و اباه معه الطاولة فوافق دون ان ينظر إليه.
لم تمر بضع دقائق حتى انشرحت نفس العم مسعود. وأصحب يتمعن في المكان كأنه يحاول أن يرسمه في مخيلته كي لا ينساه أبدا.
كان المقهى قديم لكنه عتيق يحمل جمالا ساحر فريد لا يمكن ان يكون مماثلا في أي مكان آخر. في اعلى المقهوى كانت هناك زخرفة جميلة من الورود المتسلسلة بألوان زاهية. و في الوسط كانت هناك مرواحة كبيرة الحجم وضعت بدقة تدور حول نفسها دورة لا نهاية لها. إذا ركزت معها كثيرا قد يصيبك إغماء. و تلك الشبابيك والأبواب الخشبية التي تلونت بلون واحد فإرتدت غطاءا أسودا، لا يمكن ان يكون سيئا بل زاد المكان سحرا، كأن القهوى لا يليق بها غير الأسود.
تقدم الفتى الذي يعمل بالمقهى إلى العم ابراهيم عرضا عليه أن يختار أي نوع من قهوة يريد و كذلك أحمد، فطلبا قهوة عربية اصيلة تمتاز بها كل المدن العربية، لم يمر كثير من الوقت حتى احضر الساقي القهوتين و معهما بعض من الزهر و هو إحد السوائل التي تنبعث منها رائحة زكية يتم اضافته إلى قهوة لإحداث لذة أكثر.
استمتع العم مسعود بأجواء المقهى بل و تبادل أطراف الحديث مع ذلك الرجل الأربعيني والذي يدعى العم سالم و هكذا مضت بضع ساعات من الأجواء الليلية الصيفية الجميلة.
وليس بعيدا عن اجواء المقهى، كانت زوجة العم مسعود ترتب اشيائها مع بناتها في أمكانها المخصصة لذلك، و بعد ساعة من التعب. تمكنوا من الإنتهاء من الترتيب و التوظيب.
وقبل أن يغلق المقهى ابوابه بنصف ساعة استأذن العم مسعود من صديقه الجديد للإنصراف، و تعاهدا على الالتقاء مجددا الليلة المقبلة.
مرت الليلة الأولى، لعائلة العم مسعود على مايرام بل و انشرح صدر كل منهما بهذه الأجواء الجديدة التي تبعث أملا مبهجا تحمله نسائم الصيف الخفيفة.
يتبع...
-
راضية منصورمختصة بدارسة قانون سنة ثالثة دكتوراه