كان الجد يأخذنا إلى مخيم خارج القرية على أطراف بقايا الغابة القديمة من حين لأخر.
كان يقول أن من الحكمة أن يترك الشخص منزله ويذهب بعيداً كل فترة..
فالحياة منازل ومقامات نتنقل بينها..حركة لا سكون فيها.
كان يقول أنك لا ترى الأمور على حقيقتها أبداً مادمت تعيش بها ومن خلالها.
ذات يوم جمعنا الحطب وعندما رجعنا للمخيم كان المساء قد حل دون أن ألحظ غياب الشمس الشتوية التي نزعت الغيوم هيبة أشعتها طوال النهار فبدت كقرص عاري أملس ينظر إلينا من خلف السحب في خجل!
أشعلنا النار، شعرت بالدفئ، كنت أحدق في الشرر المتطاير حين أشتعل خيالي، واستغرقتُ في التفكير في البدايات، وفي المستقبل..
-جدي، أخبرني عن نهاية العالم..
أحكي لي قصة موت الإنسان، والبشر المسوخ الذين ينقسمون إلى جماعات تحمل كل جماعة منهم علم ويكون لكل منهم نشيد يدعوا فيه لقتل الجماعة الأخرى.
= لا، اليوم سأخبركم عن ميلاده..
حدث ذلك حينما كان يمشي وحيداً بعد أن جف الوقود من ثدي الأرض بعشرات السنين، الآلات، المركبات، الأسلحة التي طالما حارب بها، كل شيء صنعه الإنسان المسخ القديم أصبحت شاخصة أمام عينيه كصنم أنتهى وقت عبادته وأوشك أن يتحطم لبزوغ دين جديد. رأى الأرض اليباب وقد امتدت أمامه مدى البصر، شعر بالبرد والوحدة، لم يجد حتى مرآة ينظر إليها فيأتنس بصورته، ورأى ذلك غير حسن، انحدرت من عينه دمعة على الأرض، فإذا به يرى جثة وردة، وكأنه قد فهم كل شيء في دفقة واحدة، بلا كلام وبدمعة واحدة. لقد خسر معركة عنفوانه وساقته الأنانية والرغبة في الاستحواذ إلى الكراهية التي قضت على الأخضر واليابس، على الواقع والحلم، الكراهية طعنت الحياة لتعلن انتصار الخوف. لكن كعادتها، وفي أخر المناطق التي قد تخطر ببالك تنبت الحياة من جديد في قلب أحدهم، وعندما شعر بها في قلبه، رأى ذلك حسن.
كانت تلك هي لحظة الميلاد يا بني.
-
Nour Eldeen Magdyمن أنا لأقول لكم ما أقول لكم ؟!.. أنا لست لي.. أنا للطريق.. أنا السماوي الطريد.. أنا ملك الصدى.. أنا الرسالة والرسول.. أنا العناوين الصغيرة والبريد.. محمود درويش