أستكمل معكم في هذا المقال كتاب " تاريخ ضائع " Lost History - وهنا سندخل سويا في رحلة مع أحد العلماء العظماء الذي أعماله وأنجازاته أساس كتب الرياضيات وعلم الفلك في أوروبا والعالم الأسلامي والتطور في عالم تكنولوجيا المعلومات.

هناك خيط حرير من خيوط نسيج الناريخ الضائع مصنوع من الأرقام والحسابات ، وتلك الأرقام التي ولدت من محض الخيال سوف تساعد الخيوط الأخري داخل النسيج علي التحول إلى شيئ مادي.

وأن القوة التي أوجدت هذه الأرقام تكمن في بلاد فارس وتتجلي مع ولادة رجل فارسي في عام 780 في محافظة خراسان بوسط آسيا ويطلق عليه أسم "محمد الخوارزمي".

وبعض العرب كانوا يطلقون عليه أسم المجوسي بمعني الساحر ، لكن أن من أطلق علي الخوارزمي أسم الساحر لم يجانبه الصواب حتي وإن لم يعرف كم كان علي حق في إختيار مثل هذا الإسم - هو بالفعل ساحر ولكن في مجالات أخري.

فقد بدأ يبحث في أسرار الكون ولكن بالأرقام. ويكتب الخوارزمى المسائل الحسابية ويحلم بالأرقام ويحول كل حركة من حركات اليوم إلى رقم حتي عدد خطواته إلى الحمام وزواية إنعكاس شعاع الشمس علي الأرض.

ويشعر الخوارزمي أن في الأرقام والمعادلات والحسابات وفي تسلسلها شفرات الكون المختبئة ، وأن هذا التمثيل الرقمي ماهو الإ تعبير عن مدي تعقد الخليقة وإبداع الله عز وجل.

وكمسلم وفي وقت يؤمن فيه الناس بأنه يمكن الوصول إلى الله بالعقل والمعرفة سيساعد الخوارزمي في إحداث ثورة في علم الرياضيات ، وبذلك يرسل أول إشارة إنه في يوم ما في المستقبل عندما يظهر عصر الحاسوب لسوف يتفوق هذا الجهاز علي البشر في سرعاته وقدراته مهما كان هذا العقل بارعا.

وفي بيت الحكمة في بغداد والمراكز الإسلامية المماثلة له أول بيوت خبرة في العالم ، وهم أشبه بشبكة من الحسابات تستخدم مجموعة منسقة ومتشابكة من العقول البشرية بدلا من الأجهزة.

ولا يقف الخوارزمي وزملاؤه وحدهم في هذا الزمان ، فبجانب الأختراع يستوعبون ويجمعون الكثير من العبقريات التي سبقتهم من البابليين وعبر الإغريق يرثون الكسر الستيني وهو مقياس الوقت إلي 60 ثانية و60 دقيقة. ويترجم علماء الفلك المسلمون والعلماء الآخرون تلك الأرقام إلي أجزاء علي البوصلة ثم إلى إتجاهات للكرة الأرضية والسماء تظل باقية حتي القرن الـ 21.

ويلاحظ الخوارزمى من ضمن أمور أخري أن عمليات كتابة الرياضيات تحتاج إلى المراجعة. وفي ذلك العصر كانت هناك ثلاث وسائل لحساب الرياضيات في عالم الخلافة العباسية وضواحيها. فهناك العد بإستخدام الأصابع وهي وسيلة عالمية وتخدم أغراضا يعينها مثل المعاملات المالية الصغيرة في عالم الأعمال التجارية. كما أن هناك وسيلة عربية أكثر تعيقدا بإستخدام أحرف الهجاء وهي وسيلة أفضل غير أنها لا تلبي الغرض بالكامل.

ثم هناك الأسلوب الهندوسي وهو نظام عشري به رموز تمثل الكميات من 0 إلى 9 ثم تعود لتنظيم في تركيبات تزيد وتقل في العالم اللامتناهي من الموجب والسالب من المصدر إلا وهو النقطة السوداء أو الصفر. وتعد الأرقام الهندوسية هي الأفضل علي الإطلاق وهي الوحيدة الأنسب لكل الإحتمالات التي يراها الخوارزمي وأقرانه تتراقص في أذهانهم. فمثلا إحتياجهم إلي حساب مساحة غير منتظمة الشكل أو إيجاد الكميات الناقصة بإستخدام العلاقات ما بين تلك المعرفة وإحتساب العلاقة ما بين الأرض إلى الشمس والنجوم ، وذلك لتحديد التقويم بشكل أفضل والأيام الدينية كما أمرنا رسول الله صلوات الله عليه وسلم بالإضافة إلى معرفة موقع مكة المكرمة حتي يصلي المؤمنون في إتجاه القبلة وهم واثقون أنهم على صواب وليست المسألة تخمين للقبلة فحسب.

كما تصبح الأرقام العربية الهندوسية ضرورية للإجابة عن الأسئلة التي تظهر في القرن الـ 21 بخصوص سلوك الضوء وخصائص الأجسام الصلبة. ولن يتسني للتكنولوجيا والحضارة الحديثتين أن تنهضا وتتطورا بدون تلك الأرقام.

وغدا سأستكمل معكم تاريخ هذا الرجل العظيم محمد الخوارزمي