ابنتي ، و تمر اليوم ذكرى وفاتك الألف ، لا تلوميني يا أبتِ ، فأنا بعدك لم أنم قط ، لا تلوميني يا حبيبة ، فقد طرقت باب السفر بعدك مئات المرات و لم أنسَ ، و طرقت بعدك باب الصمت ألف مرة و لم أنسَ .
يا حبيبة ، أشتاق لك ، أشتاق لصوتك الذي لم أكره قط ، و لم تملّه جدران منزلي قط ، و لم يسمعه أحد غيري قط .
أشتاق لك ، إلى أشيائك المُقزّمة ، إلى ملابسك و ألوانها الفاقعة . حذائك !! وله نفسي عليه ما أعذبه ، و القبعة ( إنّها للشمس يا بابا و ليست السمس )
أحبك ، أضمك إلى صدري و نتكلم ، نتكلم ، أحدنا لا يفهم الآخر ، لا يهم ، الله كم أشتاق لحضنك و حديثك .
مكانك الفارغ يصرخ بي ، فأهزّ سريرك الفارغ و أنادي أمّك على عجل ، تأتي المسكينة باكية ، تهزّني ، تحاول استرجاعي من قبضة القهر ( ماتت .. ماتت )
مسكينة أمك يا أبتي ، فهي قد حملتك تلك الشهور الطويلة ، و كانت كلّ صباح تحلم بك و أنت تركضين أمامها ، تكسرين لوحاتها ، و تعبثين بالألوان .
أمك يا أبتي مسكينة ، فقد اشتاقت لحركاتك في جوفها ، و اشتاقت لإطعامك من صدرها ( ها قد جهزت رضعتك يا حبيبة ، 100 س س ، بدون سكر ، و مُبرّدة )
أمك المسكينة تغسل للمرّة الألف ثيابك التي لم تتسخ قط ، و تتابع بشغف برامج الكرتون لتقص عليك أقصوصة النوم ، و متى يحين وقت النوم ؟
أينك يا حبيبة ؟ يتصل جداك بالهاتف كلّ يوم ليطمئنوا عليك ، أأقتلهم بنبأ وفاتك ؟ أم أكذب عليهم إلى ما شاء الله ؟
كفي عن بكائك الآن ، ذاهب لأبكيك .
-
Nafez Sammanكاتب و باحث و روائي سوري