وما الحياة إلا رحلة قصيرة وإن طالت كتاب مفتوح سيغلق وإن كثر ورقه وتعددت فصوله، لكل فيها درب يسعى فيه ومقصد يسعى إليه، ونهاية هو بالغها لا محالة، والمرء فيها غريب وإن ظن أنه من أهل الديار، وكلُّ سيفارق ويودع وإن طالت الأعمار، لكل نهجه في تجهيز حقائبه وأمتعته وزاده واختيار ركوبته في سفره وترحاله.

فمن الناس من أنفق عمره يلهث وراء اللقب (السلطان فلان)، وقد شيد أفخم القصور واهماً أنها سبيل السرور، وأطلق المباني الشاهقة، والأبراج الناطحة، وخزائن أمواله متكدسة لا يطيق حمل الواحدة منها أعتى الرجال، واتخذ في ركوبته المواكب تزفه أينما حل وانتهت الرحلة ونفد رصيد الحياة ..............

فما استطاع حمل قصوره ولا كنوزه معه تركها راحلاً ولم تغن عنه شيئا، وبقيت تنادي: (سل الطين عن السلاطين وسل رؤوس العظام عن العظام).

ومن الناس من ولد وعاش ولم يُشعر به اتخذ من كرسيه وسريره موطناً ولم يترك في الحياة أثراً إلا عليهما، ما فكر في ركوب المواقف مرة، أو التحرك إلى الأمام خطوة، وانتهت الرحلة ونقد رصيد حياته...... ولسان حاله يتحسر نادماً يا ليتني فعلت كذا وكذا ، ولكن الرحلة قد انتهت وراح في صمت ولم يُشعر بمماته كما لم يُشعر بحياته.

ومنهم من حزم حقائبه قبل فوات الأوان، وملأها بطاعة الرحمن جعل الذكر زاد قلبه ودربه، والكلمة الطيبة عطر لسانه، يركب مراكب الصبر عند البلاء، والشكر عند النعماء، خلع الدنيا من قلبه فهرولت هي إليه، له في كل خطوة قنديل هداية، يفوح دربه بالذكر الحسن وطيب السمعة ومحبته القيت في القلوب، وقد وصل إلى نهاية الرحلة ...... ووصل معه زاده ولحقت به حقائبه تغمره الرحمات، وتودعه أفئدة محبيه بالدعوات فطوبى لمن كان ذا معاشه وتلك خاتمته. 

فاللهم نور حياتنا بما يرضيك عنا، واجعل أفضل أعمالنا  خواتيمها.