1995
في منزل بسيط تَحده الأراضي الزراعية مِن كل الجوانب ، يستلقي العم حامد على فراشه ، كعادته في السنوات الأخيرة ، يتأوه مِن الألم وبداخله يسكنُه العجز والهزيمة ، فلم يكفي الحياة أن تعطيه نصيبه مِن الألم على هيئة فقدانه نِعمة البصر وعدم قدرته على العمل وتدهور حال الأسرة مِن حينها ، زوجته التي أصبحت تعمل هي عِوضًا عنه والوحدة التي بات يُصبح ويُمسِي شاعِرًا بها ، ف جسده أيضًا أصبح مـُحمل بالأمراض ، أصبح يشعر نفسه ثقيلًا ويجد أن الموت رحمة له ....
يُنادي على زوجته طويلًا
يا سلوى !! ، يا سلوى !!!
لا يأتيه الرد من زوجته وتدخل عليه ابنته مُهجة ذات الخمس سنوات
ماما مش موجوده يا بابا عايز حاجه ؟
دماغي هتتفرتك يا مهجة كنت عايز الدوا
اجبهولك من فين يا بابا
معرفش يا بنتي شوفيه كده على السفره ولا حاجه
حاضر يا بابا
تجد مُهجة علبة اسطوانيه الشكل ، لا تستطيع قراءه ما عليها نظرًا ل صغر سنها ، ف تنتشل واحده منها وتعيد العلبة إلى مكانها خوفًا مِن أن تغضب منها والدتها إن أضاعتها وتعود ل والدها مُحدِثَة إياه
_جبتلك الدوا يا بابا
شكرا يا حبيبه قلب بابا ، عارفه انا سميتك مهجة ليه
_ليه يا بابا
عشان تبقي مهجة حامد يعني روح حامد ، انتي روحي والحاجه الوحيده اللي مصبراني ع الدنيا
_انا كمان بحبك اوي يا بابا خد الدوا وتضعه ف يده ومن بعده زجاجه الماء ...
يأخذ حامد الدواء من ابنته ، يتناول حبة الغلة السامة من يدها ل تنتهي حياته بعدها بدقائق ، كأنّ روح حامد على غير قصد منها هي مَن كتب لها القدر أن تجعل روحه تصعد إلى بارئها بفعل يدها.
_______
2021
تتذكر مهجة ذلك المشهد ، أو لا يصح أنْ نقول تذكرته ، فالتذكر يأتينا بعد النسيان وهي لم تنساه طوال حياتها ف على الرُغم مِن صغر سنها حينها وأنها لم تكن تتجاوز سن الخامسة مِن عمرها ولكنها هي السبب ، حتى ولو بدون قصد وبجهل منها ، هي السبب ، ذهنها يُردد ذلك كثيرًا ، والدها مات على يدها بغباءً منها كما تظن ، والدتها كانت دائمًا تُشعرها بذلك من نظرات عينيَها ، حتى البلدة التي يسكنونها ، سَمعت من الناس هذا الحديث كثيرًا كلما مرّت مِن أمامهم ، حتى حين كَبِر سنها لم تستكمل تعليمها لضيق الحال ، لم يكن ذنبها ولكن النتيجة واحدة ، كل الفرص التي ضاعت من يدها ، كل الحماقات التي حدثت ، لم يكن ذنبها ولكنّ النتيجة واحده ، تشعر وكأنّ وجودها هو الغلطة الأكبر ، تنظر ل الحبة السامة في يدها وتُقرر آسفة أنْ تفعل ولو لمرة واحدة شيء تقصده ولتكن نتيجة ما سيحدث لها نفس نتيجة ما حدث ل حامد والدها ، و كان حامِد صعد جسده للسماء مِن ربع قرن والآن تصعد الروح ، بفعل نفس الحبة السامه التي لا يتجاوز وزنها ثلاث جرامات ، النتيجة الآن واحدة ولكنها مُختارة .
تمت ....
-
Aya EmadMini writer and physiotherapist student