ساعة العُسرة - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

ساعة العُسرة

ساعة العُسرة

  نشر في 07 يونيو 2021  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

يكثر السؤال في أوقات المحن عن موقف المؤمن من تلك المحن، وكيفية محافظته على دينه والثَّبات عليه، في ظِلِّ وطْأَة الباطل واشتداد قبضته على المؤمنين، وانتشار الشهوات والشبهات، والحقيقة أنَّ هذه من ساعات العُسرَة على المؤمنين، لما تشتمل عليه من الخوف على النفس من الزَّلل، وعلى أهل الحقِّ من الهَلَكَة.

وقد أشار القرآن إلى إجابة هذا السؤال في مواطن كثيرة منه، لعل من أظهر تلك المواطن ما أجتمع فيه ضعف المؤمنين، وقلَّة الحِيلَة، والنقصِ في العدد، واجتماع العدو، في حالة مشابِهة لما نشتكي منه اليوم، وقد كان ذلك في يومٍ شديد على المؤمنين، في يوم غزوة بدر الكبرى.

فلمَّا ذكر الله عزَّ وجل قصَّة الغزوة في آيات سورة الأنفال، ذكر خلالها آية هي خُلاصة من الخلاصات التي يجدُر بالمؤمن أن يتدبَّرها ويتأمَّلها مليَّاً، فقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، فقد أمر الله المؤمنين بالثَّبات على جهاد الكافرين، مع ذِكْرِهم لله عزَّ وجلَّ كثيراً حتى يُفلحوا وتكون لهم العاقبة والنصر.

وسأقف على بعض التأمُّلات في هذه الآية العظيمة، لنَسْتَلهم درس الثبات في مثل هذه الأيام الشديدة:

الأول: أنَّ المؤمن في زمن الشِّدة والعُسر مُطالَبٌ بالعمل لدينه أكثر من ذي قبل، وأن يكون شُغله الشاغل أمر دينه وأمته، كلٌّ بما يُتقِن ويُحسِن، وليس أن يترك أمر دينه وينشغل بأمر دنياه، أو يترك ثغور الأمَّة في وقت هي أحوج ما تكون إليه، ويعتذر بسطوة الباطل، أو الخوف من أمورٍ قد تقع عليه، فالنَّصر لا يأتي على طبقٍ من ذهب، ولا بالنداءات والشعارات، بل بتقديم أسباب النصر الحسيَّة والمعنوية، (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) .

فطلَّاب العلم يَنبرُون لتعليم النَّاس الدين، وتصحيح العقائد والشرائع، والرَّد على شُبَهِ المبطلين، وأهل الدعوة يبلِّغون دين الله في كلِّ الأرجاء، ويأخذون بأيدي النَّاس إلى كل فضيلة وبِر، ولا يدعون وسيلةً من الوسائل الموصِلة لدين الله إلَّا كان لهم فيها سهم، وأهل التربية يربُّون النشء على الخير والإحسان، والتربية القرآنية العميقة التي تجْعَل القرآن مُنطلَقاً لكلِّ أنحاء الحياة، وهكذا يكون لكل واحدٍ منَّا دور يقدِّمه لدينه وأمَّته، يَحفظ به نفسه وقومَه من كلِّ شر وبليَّة، لا أن ينشغل باللَّهو والتَّرف، والتنزه من مكان إلى مكان، دون أن يحمِل بين جنبيه همَّاً لدينه وأمته، ويدع الأمَّة تُقاسِي هَمَّ تخاذُله وتقاعُسه عن نصرتها، بينما كانت تنتظر منه الشيء الكثير.

الثاني: أنَّ المؤمن لا يقفُ أمام الفتن والمحن ولا يتعرَّضُ لها، لكنْ إنْ مرَّت به طلب الثبات من الله عزَّ وجلَّ وبذل أسباب ذلك، وإن كان في منأىً عنها سأل الله العافية والسلامة، فإنَّ المؤمن ضعيف أمام الفتن، ولا يدري ما يَخرج به منها، ولا يستطيع أحدٌ أن يجزِم بثباته فيها، والأمر سائر على كلِّ الفتن، فالذي يزعُم أنَّه على مَقدِرة من ضبْط نفسه عن المشاهد المحرَّمة والنَّظرات الخاطفة في وسائل التواصل والقنوات إنَّما يَستزلُّه الشيطان، ومن يعمل في مكان قد عمَّت فيه المنكرات ويزعُم أنَّه قادر على ضبْط نفسه إنَّما يَستزلُّه الشيطان، ومن يتعرض لأماكن الشُبه وتلبيس الحقِّ ويزعُم أنَّه قادر على حفظ نفسه من افتتانه بالباطل إنَّما يستزلُّه الشيطان، وهكذا في سائر الفتن، فعلى المؤمن أن يبتعد عن مواطنها، فالسلامة لا يعدلها شيء.

الثالث: إذا خرجت في وقت المحن العصيبة بالثَّبات على دين الله عزَّ وجل فتلك من أعظم المكاسب، فإنَّ المحن والشدائد تَعْصِف بالدِّيانة عصفاً شديداً، فمن سلِم له دينه فقد فاز، فالْتَفِتْ في وقت المحن إلى دينك، وراقبه جيداً حتى لا تَزِلَّ القَدَم بعد ثُبوتِها، فإنَّ ذهاب الدين يكون بالزَّلل تلو الزَّلل دون الأوبة والعودة، ثم الاعتياد على ذلك الزَّلل، فما يجِد المؤمن نفسه إلا وهو في القاع، قد تقهقر حتى خاض في الوحل، وقد يَحسَبُ المؤمن نفسه في وقت الفتن ثابت على دينه، وعند التفقدِّ له يرى تغيُّراً ملحوظاً في منظومة القيم والأخلاق لديه، وشَرْخاً يتَّسعُ في جدار التَّدين، يلزَم معه التوبة والإنابة، وسؤال الله الثَّبات على الحق.

الرابع: أشار الله عزَّ وجل إلى أنَّ من أكبر أدوات النصر على الأعداء ذكر الله عزَّ وجلَّ، بلِ الإكثار من ذِكْرِه سبحانه، وذلك لأنَّ المؤمن في زمن الشدّة لا بد أن يأوي إلى ركن شديد يفرُّ إليه من وطأة الفتن، فهي مظنَّة الزَّلل، والعبادة واللجوء إلى الله حِفْظٌ من ذلك الزَّلل، وكلَّما أكثر الإنسان من العبادة في وقت الشدَّة وجد انعكاس ذلك في وضوح الحقِّ والباطل، وأعطاه الله من البصيرة ما يزيد به في مراتب العبودية علوًّا، فضلا عن تثبيت الله له على الحق والهدى.

الخامس: أنَّ النَّصر والفوز والفلاح في أمور الدنيا والآخرة لا يصل إليها المؤمن إلا بكثرة سؤال الله عزَّ وجلَّ والتضرع إليه أن يُكرِمَه بها، فقد كان ﷺ يُكثر من سؤال الله عزَّ وجلَّ الثَّبات على دينه، فعن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: كان رسولُ الله ﷺ يُكثِرُ أن يقول: «يا مُقلِّبَ القلوب! ثبِّت قلبي على دينِك». فقلتُ: يا نبيَّ الله! آمنَّا بك وبما جئتَ به، هل تخافُ علينا؟ قال: «نعم، إن القلوبَ بين أُصبعين من أصابِع الله يُقلِّبُها كيف يشاء».

اللهم ثبَّت قلوبنا على دينك..



   نشر في 07 يونيو 2021  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا