المودّة والرّحمة عامّة (بينكُمْ أيّها الناس) وليست خاصّة (بينكما أيّها الجنسان: ♂ و♀).
من الخطأ والوهم الشائع تخصيص ربط المودة والرحمة بالجنسين الرجل والمرأة.
نشر في 21 أبريل 2022 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
من الخطأ والوهم الشائع تخصيص ربط المودة والرحمة (هذا الثنائي المذكور في القرآن خصوصا) بالجنسين، الرجل والمرأة.
((وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)) الروم-21
من غرائب التفسير عند معظم المفسرين و معظم الناس عند قراءة هذه الآية ربط المودة و الرحمة بالزوجين و الاقتصار على ذلك، كأن الله يقصد (المودة و الرحمة بين الرجل و المرأة أو الزوج و الزوجة) و هذا فيما يبدو راجع إلى سطحية الإدراك و الفهم.
الذي بين الزوجين في الحقيقة أكثر من المودة و الرحمة، جُمع بعضُها في عبارة (لتسكنوا إليها). و من المعروف البديهي بأنه يوجد بين الزوجين ليس المودة و الرحمة فقط، بينهما إضافة إلى ذلك (الحُبُّ و الخِلّةُ و الحِمَامَةُ) و هي من آيات الله (العلامات و الدلائل) التي لم تذكر في الآية بالتفصيل … ثم إن حرف مِنْ في (وَمِنْ آيَاتِهِ) الذي يسمى (مِن التبعيض) بمعنى (و بعض آياته) أو (قسم أو جزء منها) ممّا ذُكر … ثم ما ذكر بعد ذلك هو ذلك البعض من الآيات (العلامات و الدلائل) المعنية من أجل التذكير و الحجّة و الامتنان من الله سبحانه.
السطحية و العُجالة جعلت الكثير يظن بأن الجملة (وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ) تتعلق بما بين الرجال و النساء و ليس الأمر كذلك و يجب فهمها و استيعابها على النحو التالي الواضح الجليّ الدقيق:
• وَمِنْ آيَاتِهِ: [(من آيات الله) الآيتين التاليتين]:
1) أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا (أيها الرجال مباشرةً، و أيها النساء إشارةً indirectement) … هذه آية ..
2) وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ (أيها البشر أو أيها الناس جميعا من باب استئناف ومواصلة الحديث وليس الرجل و المرأة تخصيصا كما هو مظنون ومشاع) … وهذه آية أخرى (آية التوادّ والتراحم الإجتماعي في الفطرة البشرية) ..
ولأن المودة و الرحمة يشترك فيها الجميع: الأم و ولدها، الأب و أبناؤه، الجدّ و أحفاده، الأخت و أخوها، الابنة و أبوها، الزوج و الزوجة، الأعمام و الأخوال و أبناء الأعمام و أبناء الأخوال و الأصدقاء و الأحباب و المعارف، و أهل الجِوار…إلخ… و هو ما يسمى حتى في الاصطلاح الاجتماعي (terme sociologique): "التوادّ و التراحم الاجتماعي" = "مودة و رحمة" في اللغة الشرعية القرآنية الصادقة المعجزة الدقيقة.
من جهة أخرى: لاحظ في أي مجال ذكرت و وردت كلمتي "التوادّ و التراحُم" (وهما نفسهما المودة والرحمة) في الحديث الشريف المتفق عليه الذي تجده لاحقا بسنده، هل هو فيما بين الجنسين؟ أم أكبر و أشمل من ذلك: بين جميع أفراد المجتمع؟ أليس من العجيب تقزيم السطحيين للمودّة و الرحمة في الآية القرآنية حيث يعزونها (attribuer) إلى العلاقات بين الرجل و المرأة؟
الحديث: عن النعمان بن بشير -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله ﷺ: ((مثل المؤمنين في [توادهم و تراحمهم] وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر أعضائه بالسهر والحمى)) في معناه و متفق عليه. (التواد والتراحم هو نفسه "المودة والرحمة" مع التبادل والإشتراك)
سؤال إشكالي موهوم قد يتبادر إلى الذهن السطحي الخالط من المفيد، بل من اللازم توضيحه و هو:
- لماذا إذن ذُكرت في الآية "المودة و الرحمة" مقرونة بذكر نعمة الزوجية و السكن إليها في نفس الآية بالتلاصق المباشر؟
الجواب يكاد يكون ظاهرا جليا و شديد البداهة و وطيد العلاقة بين هذا و ذاك:
باختصار: المجتمعات الإنسانية (ذات المودة و الرحمة في الفطرة الاجتماعية) تتكون من مجموعة أُسَرٍ (تتكون منها العائلات، إلخ…) و أساس الأسرة و مبدؤها [التزاوج و الزوجية] (أساس الكلّ) و من هذا الأساس تأتي كل باقي الترابطات الاجتماعية [المصاهرة، الأمومة، الأبوة، الأعمام، الأخوال، الأحفاد، الأُخوّة، و باقي كل علاقات المجتمع التي يصعب سردها و إحصاؤها والتي سببها الأول هو "الزواج بين الذكر والأنثى"] و تلك العلاقات جميعها الناتجة عن تلك العلاقة الزوجية هي محلّ و مكمن التواد و التراحم (المودة و الرحمة) الفطري الطبيعي الذي تزيده الأخوة الدينية شدّة و تهذيبا كما في الحديث. لهذا السبب و لهذه العلة الشديدة الوضوح ذكر هذا على إثر ذاك و مقرونا به، ليس إلا.