من آفاق مكة ظهرت معالم طريقها، ورسخت دعائم حريتها ووُإدت من اجلها جاهلية عمياء لم ترى في المرأة إلا النقص والعيب ولم ترعاها رعاية تليق بفطرتها، منذ أن صعد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وصدع بالحق ونادى بالاسلام وبلّغ هذا الدين الذي اعطاها مكانة وكرّمها في الدنيا والآخره؛ فاستظلت في ظله واستراحت في كنفه واطمانت إلى قانونه الإلهي الذي لم يقم مثله قانون منذ أن خلق الله الأرض ومن عليها.
ولا أعني بالجاهليةِ جاهلية الجزيرة العربية فحسب بل بكل رقعة أرض لم يمتد إليها الإسلام و كل عصر لم ترفرف في سمائه راية الإيمان
''فمن أرض الرومان التي لم يكن للبنت عندهم اهلية مالية ولا تملك من أمرها ولا من أمر مالها شيئاً، إلى اليونان التي كانت عندهم كقسط المتاع تباع وتشترى في الاسواق
أما اليهود، فكانت بعض طوائفهم تعتبر البنت في مرتبة الخادم،وهم يعتبرونها لعنة لأنها اغوت ادم. الى اعلان المسيحيون ان المرأة هي بابا للشيطان'١
وكان الهنود يحرقون المرأة وهي حية بعد وفاة زوجها. ووصولا الى عرب قبل الاسلام 'فكان معروفا عندهم -في بعض القبائل- وأد البنات خوفا من العار والفضيحة،وكان الرجل اذا زوج موليته أخذ مهرها، اما الميراث، فكان العرب لا يورثون النساء ولا الصغار ذكورا كانو او اناثا.'٢
ثم اشرقت الارض بنور الاسلام وامتد نوره حتى اضاء جوانب النفوس وانقشعت بضياءه ظلمات العقول، وأزال غلالة الجهل عن قلوب مصديقه ومتبعيه، فأوحى لنبيه صلى الله عليه وسلم محرماً وأدها ( وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأيّ ذَنْبٍ قُتلَتْ) [التكوير:٨-٩]ومكرماً اياها أماً (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) [ لقمان: 14]
و زوجة (وَمِنْ ءَايَٰتِهِۦٓ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَٰجًا لِّتَسْكُنُوٓاْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَءَايَٰتٍۢ لِّقَوْمٍۢ يَتَفَكَّرُونَ) [الروم:٢١]
ومساوياً بينها وبين الرجل في الأعمالوالتكاليف (مَنْ عَمِلَ صَٰلِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُۥ حَيَوٰةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) [النحل:٩٧]
ونجد دائما القران قد خاطب الرجل والمرأة على حد سواء (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) [الأحزاب: ٣٥] واعطاها الحق في الميراث وفي التعليم وفي اختيار الزوج وفي المعاملات المالية، وجعلها قبل البلوغ في وصاية أوليائها وجعل ولايتهم عليها ولاية رعاية وحماية لا ولاية تملك واستبداد.
وغيرها الكثير من الحقوق التي لا يسع ذكرها الآن
حقائق الاسلام واباطيل الغرب
غير أن بعضاً ممن يمكر للإسلام ويضمر له الوانا من الحقد والاذى، أرّقه عمق رسوخه وشدة دعائم مبادئه التي استراحت عليها القلوب تصديقاً وايماناً، قد اتخذ منهجا لتشويه شريعته، وتحريف ثوابته فكانت خطوتهم الاكبر وجريمتهم الاخطر المساس بحقوق المرأة في الاسلام. وان هؤلاء كان من ورائهم الغرب الحامين لظهورهم والداعمين لعقولهم التي تحمل افكاراً كانت ولا تزال اداة وامتداداً للفكر الغربي وهذا هو الاحتلال بوجهه الآخر،
سألوا نابليون عن أقوى حصون الشرق مناعةً ؟فقال : الأمهات الصالحات .
لذلك كانت معركتهم الأولى إفساد المرأة
وانبرى المدعون المدافعون من المستشرقين وامثالهم وتعالت الصيحات المحتجة على قوانين المرأة في الاسلام لكن في المقابل نجدهم قد ضَربوا صَفحاً عن المجازر والمذابح التي تعرضت لها مسلمات الايغور و بورما وغيرها ولم يكلفوا انفسهم ولو بسطر واحد ينددون به او يدافعون لكن كيف اذا كان شغلهم الشاغل لباس المرأة وظلم الاسلام لها!
اما المنخدعين بهم المذهولين بحضارة الغرب( المادية) يعطونهم الآذان والقلوب والعقول معاً
كان المفكر الجزائري مالك بن نبي يرى ان مشكلة الأمة العربية ليس في الاستعمار ولكن في القابلية للاستعمار
وكأن حاضر الاسلام وتاريخه قد خلا عن اي صورة من صور الفكر والمساواة والحرية.
هاهو سيدنا عمر تصوبه صحابية ( في مسألة المهور) فقال اخطأ عمر وأصابت أمرأة ،و قال بعد ان نزلت سورة النساء؛ كنا لا نقيم للنساء امراً حتى نزلت هذه السورة
وخصص النبي صلى الله عليه وسلم للنساء دروسا وحلقات للتعليم
ثم نجده عليه السلام يستشير زوجته ام سلمة في أمر المسلمين ، بعدما ذكر لها ما لقي من الناس من وجوم بسبب صلح الحديبية
ونرى للمرأة دورها في الحياة السياسية والواجبات الاجتماعية كما للرجل ايضا( وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَٰتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍۢ ۚ يَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَيُطِيعُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓ ۚ أُوْلَٰٓئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ ٱللَّهُ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[ التوبة:٧١] واما في هذا العصر فإن 'هناك كثير من الاصلاحات او الاحكام التي دخلت في قوانيننا لإصلاح حال المرأة والنهوض بها سواء في الاحوال الشخصية، او السياسية، او الحقوق الاجتماعية'٣.
وبعد..
لم يعد مؤثراً التباكي على اطلال الجاهلية واقحامها بروح الشريعة، ولن يكون ملائماً انزال المرأة المسلمة بمنزلة المرأة التي لم تسبر اغوار الاسلام ولم تحارب بفكره سُبُحات الاخيلة والأوهام.
وانه من العبث الغريب ان يستبدل الانسان الذي هو أدنى بالذي هو خير أن يأخذ بالقوانين الغربية التي هي من صنيعة البشر والتي تتخذ المرأة كسلعة تغدو وتروح كما يحلو لهم، ويتركوا القانون الذي اقام للمرأة كيانها، وأحيا بها منظومة الاسرة والمجتمع، ليكون تأثيرها كتأثير المطر بالارض الموات، فلا عطاءاً يماثل عطائها،ولا حرمان يساوى اغماض عينها عن تنشئة جيل ينمو في احضانها.
وضمن النبي صلى الله عليه وسلم الجنة لمن كانت له ابنتين واحسن تربيتهما واستوصى بهنَّ خيراً في حجة وداعه،وكأن في الإحسان لهنَّ احساناً للناس اجمعين. رحم الله الشاعر حافظ ابراهيم اذ يقول:
مَن لي بِتَربِيَةِ النِساءِ فَإِنَّها في الشَرقِ عِلَّةُ ذَلِكَ الإِخفاقِ
الأُمُّ مَدرَسَةٌ إِذا أَعدَدتَها أَعدَدتَ شَعباً طَيِّبَ الأَعراقِ
الأُمُّ رَوضٌ إِن تَعَهَّدَهُ الحَيا بِالرِيّ أَورَقَ أَيَّما إيراقِ
المصادر والمراجع: كتاب المرأة بين الفقه والقانون / مصطفى السباعي.
المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية/ عبد الكريم زيدان.