الرَّفيق الأعلى - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

الرَّفيق الأعلى

قصة قصيرة

  نشر في 14 يناير 2017  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

رجع السيد "محمد بن عبد الله " _صلى الله عليه وسلّم _ رسول الإسلام من الحج إلى المدينة المنوّرة _يثرب_ , حيث الأنصار , فقد كان النبى أفضل غنيمة أحرزت فى تاريخ المواقع العسكرية , فبعد غزوة حنين وإحراز الغنائم التى إتخذها المشركين فى مؤخرة جيشهم لشحذ وإستثارة حماس الجنود , وبعد هزيمتهم , قسّم النبى الغنائم على المجاهدين وقد كان النصيب الأكبر للمهاجرين وأهل مكة ,فاعتقد الأنصار _أهل المدينة_ أن الرسول قد فضّل قومه عليهم , مما جعل الرسول يبعد الأذهان عن فتنة فوقف فى جمع المجاهدين يخص حديثه للأنصار منهم ,بصوته الرخيم ذو البحّة المستحسنة :

_أيها الأنصار !

أىّ الإختيارين أفضل لكم , أن ترجعوا ومعكم الغنائم من جمال وذهب, أم ترجعوا وفيكم رسول الله ؟!

_ رضينا يا رسول الله , هكذا قالو وقد أدمعت عيون وسُمِع صوت بكاء مكتوم .

فدعا لهم الرسول رافعاً يديه إلى السماء على مرآى ومسمع منهم :

_ اللهم ارحم الأنصار , وأبناء الأنصار ,وأبناء أبناء الأنصار .

. .

وبعد معركة تبوك التى كانت على حدود الشام ,وقد كُسرت فيها هيبة الإمبراطورية الرومانية بعد تفرقهم لمجرد المفاجئة بمعرفة أن الجيش الإسلامى على حدود بلادهم,عرف الروم قدر قوة الإسلام والمسلمين آن ذاك وأعتبروا الإسلام قوة لها وزنها فى خارطة حدودهم السياسية,فبدأوا فى محاولات لاسترجاع هيبتهم بقتل كل من يدخل فى الإسلام . .

ولما علم الرسول بذلك وبصفته القائد العام لجيش المسلمين, جهز سرية من الجيش تحت قيادة"أسامة بن زيد بن حارثة ", وقد كان زيد بن حارثة إبن النبى بالتبنّى , ليرسله إلى إحدى المناطق الحدودية للإمبراطورية الرومانية ليرهبهم وكانت الوجهة المقصودة "فلسطين" .

وبينما أخذ الرسول يتناقش مع أصحابه وقادة أفرع الجيش الإسلامى وصرّح باسمه قائد السرية :

_سرية إلى فلسطين يقودها "أسامة بن زيد بن حارثة" بإذن الله .

علم الجنود وأفراد الجيش باسم القائد , وأخذوا ينظرون إلى بعضهم يتناقشون فى أمر القائد صغير السن وإستبطئوا فى الإنتظام فى الصفوف,حتى علم النبى بأمرهم لما صار هناك إجماع على رأى حداثة سن القائد وكست الأحاديث عن الموضوع الجرأة , فانتفض عرق الغضب الهاشمى بين حاجبيه الأسمران الطويلان الدقيقان وقال :

_يا قوم !,لو كنتم تطعنون فى قيادته ,فقد طعنتم فى قيادة أبيه من قبله _فقد كان"زيد بن حارثة "بن الرسول بالتبنّى _

وأقسم بالله أنه كان جديراً بالقيادة وكان من أحب الناس إلىّ بعده..فاتقوا الله !

فاقتنع الناس وانتظم الجنود حول قائدهم , وبدأوا طريقهم إلى فلسطين .. وما ان إبتعدوا قليلا حتى تواردت أنباء عن مرض رسول الله فساورهم القلق وتباطؤا فى السير إنتظارا لأخبار جديدة . .

. .

بعد ثلاثة أيام من خروج السرية,أى يوم 29 من شهر صفر سنة 11 هجرية . .

خرج النبى مع أصحابه فى جنازة إلى البقيع وصلى على من مات ودعا له.. وبينما هو راجع وسط أصحابه شعروا بشئ غير طبيعة فى مشية صاحبهم,التى كانت تجهدهم ليسيروا جانبه ,ولذلك إعتاد الرسول _صلى الله عليه وسلم_ أن يسير خلفهم حتى لا يسبب لهم الإحراج والتعب,ولاحظوا أيضاً وفى ذلك اليوم إبتسامات النبى الحزينة على فقيد المسلمين ومواساته التى كان يلمس فيها الوهن وقد ظهر منه عصابة حول رأسه ليتحمّل صداع وتفصّد جبينه عرقاً ولمع وجهه الأبيض المشرب بالحمرة بالعرق وابتلت لحيته من أثر حرارة الشمس.. ولم يشكى أحد بهذه الأعراض حتى لا يقلقهم,وهم لم يسألوا خوفا من سماع أخبار سيئة !

يومها عاد الرسول إلى منزله متعباً وبدا عليه ذلك .

. .

لما أمر الله ببناء مسجد فى المدينة,ساعد الرسول المسلمين فى البناء وقد بنى له الصحابة بيوت لزوجاته مجاورة للمسجد تماما, متلاصقة فى صف واحد تفتح على طرقة واحدة تجمع هذا الصف جهة الخارج من المسجد ليعطوا للرسول وزوجاته الخصوصية المطلوبة وقد تميز مسجد السيدة عائشة زوجة الرسول _رضى الله عنها _ ببابين أحدهما يفتح على المسجد والآخر يفتح على هذه الطرقة . .

وكان الرسول يتناوب قضاء الأيام مع زوجاته فذهب يومها إلى السيدة سودة بنت زمعة ,وخرج للصلاة فى وهن ومرض ظاهرين,حتى أقعدته الحمى واجتمعت زوجاته حوله قلقات معقدات ما بين جبينهن ألما لألم زوجهم ويقربن آذانهم من فم الرسول الذى يظهر أسنانه المفلوجة يخرج الكلام من بينها بين حين وآخر ولا يكاد يسمع حتى تبيّنوا قوله :

_أين سأكون غداً ؟!

أين سأكون غداً ؟!

وقطرات العرق تنحدر على خديه إلى رقبته . .

ففهموا ما أراده . فقد أراد الذهاب إلى بيت السيدة عائشة ولم يرد التصريح حفاظاً على مشاعرهن كزوجات , وقد كانت الأثيرة له فى غير ظلم للأخريات . .

الفضل بن عباس وعلى بن أبى طالب أولاد عم الرسول أسنداه فى الطرقة إلى بيت السيدة عائشة وهو عاصب رأسه بعصابة يتدلى من حولها بعض خصال من شعره المرسل قليلا,مازال وجه الرسول أحمر ينضح بالعرق حتى إبتلت رموش عينيه الطويلين وظهر إحمرا فى عينيه السوداء الواسعة..وسيدنا على يعض على شفتيه يحبس دمعة لم يرد أن يراها بن عمه,والفضل ينظر إلى الأرض متتبعاً حركة قدم النبى التى تسير خطوة وتضعف أخرى فيتحامل عليهما. .ما أن وصل إلى باب السيدة عائشة من جهة الطرقة حتى إستقبلته تساعدهم بحمله من تحت إبطيه لتدخله إلى حجرتها حيث كانت من الطوب اللبن مسقفة بالجريد والباب لا يفتح مباشرة على محتويات الغرفة بل يفضى إلى طرقة صغيرة وقد أحيط بالسرير الواطئ إلى الأرض بحاجز خشبى ليعطى الرسول وزوجه بعض الخصوصية . .

وعلى السرير المحشو بالليف والوسادة الجلدية الغطاء,إستلقى الرسول وقد إبتل الجزء العلوى من قميصه بالعرق وشمّر عن ساعديه المكسوان بالشعر المبلول بالعرق كذلك,و"السيدة عائشة" تمسح على رأسه المعصوبة بيدها الحانية وتهندم ثيابه بلطف وعلى وجهها إبتسامة حزينة ونظرة كأنها تراه من وراء زجاج مصقول , ولا ينقطع لسانها عن ترديد الأدعية والمعوذات والرسول مطمئن هادئ الملامح يطلب الماء من حين لآخر ليشرب أو ليتوضا على الرغم من حالته تماسك واعتبر الفترة بين الصلوات كاستراحة بعد معركة شرسة مع المرض ليعود إلى حجرة "السيدة عائشة" حيث يَظهر الألم والحنان والمواساة بلا إنقطاع . .

كان يوم الأربعاء حين إرتفعت درجة حرارته حتى كان وجه الرسول _صلى الله عليه وسلم_شديد الإحمرار والعصابة حول رأسه مبتله تماما . . والسيدة عائشة جالسة إلى جواره وما وسعت الحجرة من آل البيت ينظرون بتحفُّز وقلق.. فإذا بالرسول يقول :

_صبّوا عليّ الماء !

فصبّوا قربة ماء كاملة على رأسه ومسحت عائشة على وجهه وأخذوا فى صب قربة ماء أخرى لكن أشار الرسول بيده أن :

_يكفى .. يكفى ! , واعتدل فى جلسته وبدّل قميصه ودخل المسجد بدون أن يستند على أحد وهم _ آل البيت _ ينظرون إليه كطفل يتعلم المشى , وبعصابة رأسه إعتلى المنبر :

_لا تتخذوا قبرى وثناً يعبد , فاندهش الناس ونظر بعضهم إلى بعض وسُمِع أحدهم من آخر المسجد يقول : لا قدر الله يا حبيب الله.

أعاد الرسول الآذان والأذهان إليه بقوله :

_من يقتص منى فليفعل , من له شئ عندى فليقُل .

وصلى الظهر وجلس ينظر أمامه لا يسبح أو يستغفر كعادته ووقف على المنبر ثانيةً :

_هل لأحد منكم قصاص عندى؟ . .من كنت شتمت له عرضاً فهذا عرضى فليفعل . .

وهو يشير إلى ظهره ويدعو المقتص لجلده !

فقام رجل عجوز بثياب مرقعة وتجاعيد وأخاديد فى جبينه وخديّه وهو ينظر إلى الأرض خجل:

_أنا يا رسول الله ,لى ثلاث دينارات !

فقال النبى لابن عمه :أعطه يا فضل !

ومازال واقفا على المنبر ينظر إلى سقف المسجد فى تأمل حتى قال :

_إن عبدأ خيّره الله أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما أراد . . وبين ما عنده . .فاختار ما عنده !

تقلصت ملامح سيدنا "أبو بكر الصديق" وإتسعت جبهته الناتئة قليلا :

_فداك أبى وأمى يا رسول الله !

وحدث أحد المصلين أخاه : أيخيّره بين ما عند الله وما فى الدنيا وأبو بكر يقول فداك أبى وأمى ؟!

. .

مضى يوم الأربعاء والسيدة "عائشة" ساهرة طوال الليل بالكمادات إلى جانب زوجها و تجيبه بالماءإذا سأل عنه .

وجاء يوم الخميس حينها شعر النبى بوجع وقال بصوت واضح :

_تعالوا أكتب إليكم كتاباً لا تضلوا بعده أبداً .

قال سيدنا "عمر بن الخطاب" مشيرا لهم بيده :

_لقد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن . . يكفيكم كتاب الله .

فاختلف أهل البيت وقال منهم :

_ قرب الكتاب ليكتب لكم رسول الله وهم بالإتيان بالكتاب . وسيدنا عمر مصر على الرفض .

فقال الرسول فى ضعف :

_إذهبوا عنى ! , فابتعدوا , وكان حتى ذلك اليوم يصلى بالناس ويتحامل على نفسه إلى صلاة المغرب , حتى جاءت صلاة العشاء ,فثقل المرض واستحال التحامل , وفى إفاقة من حمته سأل :

_هل صلى الناس ؟!

_لا يا رسول الله , فهم بالقيام للوضوء فأغمى عليه , فقربت "السيدة عائشة" منه وعاء الماء فتوضّأ وخطى إلى الطرقة فأغمى عليه ثانية . . ويفيق ويسأل :

_هل صلى الناس ؟!

_لا يا رسول الله

فأشار لها أن تقرب أذنيها وبصوت ضعيف :

_أبو بكر يصلى بالناس إماماً !

_أبو بكر يا رسول الله ؟

_نعم , وعادت لتسأل ثانية فقال :نعم

_ولكن . . ولكن أخشى أن يتشاءم منه الناس

قطب النبى جبينه :

_إنكن صواحب يوسف , أبا بكر يصلى بالناس يا عائشة !

وصلى سيدنا "أبو بكر" بالناس . .

. .

يوم السبت . . شعر الرسول بخفة ووجد فى نفسه شفاء فتهلل وجه زوجته " عائشة" فرحاً :

_حمدا لله على سلامتك , فربت النبى على كتفها بحنان مبتسماً . . وأتت الرسول بوعاء الماء الذى يستخدمه كمرآه وبعد أن فك العصابة وسرّح شعره ,أشار لها أن تضع العطر فى مفرق رأسه . . وهندم ثيابه وخرج إلى صلاة الظهر وكان سيدنا " أبو بكر" فى طريقه إلى إتخاذ موقف الإمام ولما رأى الرسول قادماً من شرق المسجد تأخر ليأخذ موقعه فى الصف فأومأ إليه النبى برأسه مبتسماً أن لا يتأخر ويصلى إماماً , وقال : أجلسونى إلى جانبه . . مضى اليوم والرسول يتلقى التهانى بشفاءه مبتسماً وازداد وجهه نوراً . .

. .

لما أصبح الأحد . . أعتق غلمانه وتصدق بما فى البيت وكانوا سبع دينارات ووهب أسلحته للجيش ويوما إستعارت "السيدة عائشة" زيت المصباح من جارتها , وذكّر الرسول زوجته وهى تهم بملئ المصباح بالزيت : درعى مرهونة عند اليهودى بثلاث أصياع شعير فلا تنسى يا عائشة . .

قالت مبتسمة فى داعبة : لن أنسى يا رسول الله .

. .

يوم الإثنين . .وفى صلاة الظهر خرج الرسول مستنداً إلى باب الغرفة المطل على المسجد و" أبو بكر" يصلى بالناس وابتسم حتى بدت نواجذه وأشرف النور من بين فلجتى أسنانه وهو يقلب النظر بين صفوف المصلين , كأنه يحدث نفسه أن هذا محصول وثمرة جهاد , نظر كمن ينظر إلى عمل أنجز ه بعد طول شقاء وعناء , فتراجع سيدنا أبو بكر إلى الصف فقد ظن أن الرسول يريد أن يخرج ليصلى بالناس وهمَّ المصلين أن يتركوا الصلاة ليهنئوه على شفائه وسعادته , فأشار بيده أن إستمروا وأتموا صلاتكم ودخل الغرفة مستنداً على الجدران وأرخى الستر .

بعدما صلى إستوى على فراشه ودعا إبنته فاطمة وقال لها شيئاً فى أذنيها لم يسمعه الحاضرون :

_سأموت بمرضى هذا يا فاطمة !

فانحدرت منها دمعة وشرعت فى بكاء صامت تحول بصرها بسرعة فى وجه أبيها . . والتفتت إلى الحاضرين بأسى فتأثّر الرسول _ صلى الله عليه وسلم _ لتأثرها ودعاها مبتهج الملامح , فأسرعت تلبى بأذنيها عند فمه :

_وأنت يا سيدة نساء العالمين ,أول من يتبعنى .

فضحكت من وسط الدموع ومسحت دموعها المتساقطة بسرعة . إستبشر الحاضرين خيرا وخرجوا لعل الرسول أراد حديثا منفردا مع إبنته . .

إذا بهم يسمعون صوت بكاء فاطمة المكتوم تدفن رأسها فى صدر أبيها :

_وا كرب أبتاه

فيرد عليها مطمئناً :

_لا كرب على أبيك بعد اليوم , دعكى من البكاء أين الحسن والحسين ؟

فجئ بهما وقبّلهما . . ودخل عليهم من دخل ليطمئن وإذا به يقول :

_أتذكرين السُّم فى الشاه يوم خيبر ؟! , فاضطربت ملامح إبنته تبحث عن تكملة الجملة من بين شفتيه

_أشعر بمفعوله الآن !

وأخذته عدة إغماءات وكلما أفاق أوصى بالصلاة :

_الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم . . وأخذته إغماءة فأسندته السيدة "عائشة" بين صدرها ورقبتها تمسح عرقه ودخل "عبد الله بن أبى بكر" وبيده سواك , فنظر إليه النبى بجانب عينيه وتبسّمت عينيه الواسعتين .

"عائشة": أتريد السواك ؟ فابتسم مستأذناً "عبد الله" وأشار برأسه " أن نعم "

_أليّنه لك ؟ , فأشار برأسه " نعم"

وتناوله من يدها ومرره على أسنانه , ووضعه على صدره , وإلى جانب الفراش كان هناك إناء به ماء مما تبقى من كمادات الأمس , وضع فيه يده ومسح على وجهه بالماء والعرق قد بلل الوسادة وقميصة ولمعت رقبته بالماء وهو يردد :

_لاإله إلا الله . . إن للموت لسكرات

لا إله إلا الله . . إن للموت لسكرات !

والسيدة عائشة تربت على كتفيه قلقة ودموع حزينة تنحدر على خديها فى صمت . .

وفجأة وهن نشاطه وهدأت حركته ورفع إصبعه وضخصت عيناه إلى السقف فظنوه الوحى وتحركت شفتاه فأصغت عائشة لتجد همساً :

_ مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء , اللهم إغفر لى وارحمنى وألحقنى بالرفيق الأعلى . .

اللهم الرفيق الأعلى !

اللهم الرفيق الأع. .

ومالت يده وتوقف الهمس , فأخذت فاطمة يده المرسلة إلى جانب السرير تضعها على وجهها وتبكى و وسط شهقاتها ونشيجها :

_يا أبتاه

أجاب رباً دعاه

يا أبتاه

فى جنة الفردوس مأواه

يا أبتاه

إلى جبريل نعاه .

. .

فهدّأتها زوجات النبى الباكيات , وقد تجمع الرجال عند الباب المواجه للمسجد ينتظرون لما سمعوا الأمر , وكان ممن سمع سيدنا " عمر بن الخطاب" حينها أحكم العمامة حول شعر رأسه الجانبى الأصلع من الأعلى بسرعة وحدث نفسه فى طريقه إلى المسجد وهو يفتل شاربه القصير ويجد السير بقامته الطويلة ووجهه الغاضب وشعر لحيته المحنّى بالأصفر :

_إن رجالا من المنافقين يزعمون أن رسول الله قد توفى . .وإنه ما مات , لكن لابد أنه ذهب إلى ربه كما ذهب "موسى بن عمران" وغاب عن قومه أربعين ليلة , ثم رجع بعد أن قيل مات , والله ليرجعن ولأقطعن أيدى وأرجل من يزعم أنه مات . . والله !

وحضر أبو بكر على فرسه بلونه الأبيض المخطوف , معروق الوجه ناتئ الجبهة محدق فى جمع الناس , واخترق التجمه فى المسجد واستأذن فدخل على النبى وكشف وجهه وقبّله بين عينيه باكياً :

_بأبى أنت وأمى يا رسول الله ! وغطى الوجه الشريف ثانية .

وخرج إلى المسجد يدعو الناس للجلوس , فوجد سيدنا "عمر" واقف لا يتحرك :

_إجلس يا عمر .

وأبَى سيدنا عمر أن يجلس وتسمّر واقفاً يحدق فى الفراغ وأقبل الناس حولهم فوقف " أبو بكر " على المنبر :

_ من كان يعبد محمد , فإن محمد قد مات ومن كان منكم يعبد الله , فإن الله حى لا يموت , وردّد قوله تعالى " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل إنقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجز الله الشاكرين " , طأطأ الناس وجوههم وكأن الآية كانت نازلة لتوها وأخذوا يرددونها , وامتقع وجه "عمر" من الدهشة بعد سماع حديث صاحبه ولم تحمله قدماه وهوَى إلى الأرض محبطاً . . إذن فقد مات رسول الله .

. .

وغسّل الرسول يوم الثلاثاء فى حجرة "السيدة عائشة" دون أن يجرد من ثيابه وأخذوا يقلبون جسده ويصبّون الماء محاولين التماسك ويدير أحدهم رأسه ويبكى حتى لا يراه صاحبه .

_أين ندفنه يا أبا بكر؟

_ما قُبض نبى إلا دُفن حيث قبض , فرفع " أبو طلحة الأنصارى" فراشه الذى توفّى عليه وحفر تحته وكذلك دُفن رسول الله فى حجرة "السيدة عائشة" ودخل الناس المزدحمين فى المسجد عشرة بعشرة يصلون على النبى لا يؤمهم أحد ومضى "الثلاثاء الحزين" وسُمع الأنين والنشيج فى شوارع المدينة. .

وسمعوا صوت الذئاب فى جوف الليل تندب رسول الله حتى تتلوّى , وفى العيون حزنٌ عميق ونظرة إنكسار يحولون النظر عند تلاقى العيون . . فقد إنتقل الرسول والقائد والمعلّم محمد بن عبد الله _صلى الله عليه وسلّم_ إلى الرفيق الأعلى . .

(الرفيق الأعلى)



  • محمد سامى أبو القاسم
    احب الكتابة ،أرى أن القصة حياة على الورق أكثر دلالة وأكثر عمقا،وأن الأدب الحقيقى هو ما يصالحنا على الواقع لا يحاكمه. https://www.facebook.com/mohamedsamy11144/ msamyy8@gmail.com
   نشر في 14 يناير 2017  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا