معاناة البرتو مانغويل مع تفكيك مكتبته الشخصية
ترجمة و إعداد / محمد احمد حسن
نشر في 15 ماي 2019 .
بالرغم من أن البرتو مانغويل يدير أكبر مكتبة عامة في بلاده ، إلا أنه ليس متحمسا لإستعارة الكتب من المكتبات العامة ، حيث يقول مدير المكتبة الوطنية الأرجنتينية في هذا الصدد (( أنا أحب المكتبات ، و أحب مبانيها ، و أحب هذا الشعور، و أحب اصطفاف الكتب في رفوف ، لكنني عندما ابحث عن كتاب بعينه و أفضله فإنني أريد أن أخذه معي في اى مكان ، و أن اكتب ملاحظاتي على الكتاب ، و هذا بالطبع غير مسموح به )) .
و يضيف (( انه شئ مغرى للغاية أن يكون الكتاب الذي اقرأه ملكي ، و أن اصطحبه معي إلى السرير ، إلا أنك لا تستطيع أن تفعل ذلك مع الكتب المستعارة من المكتبة العامة )) .
هذا السلوك هو ما ساعد مانغويل على تنمية عادة جمع الكتب لديه إلى الحد الذي أصبح معه هذا السلوك سلوكا مرضيا ، و صار من الصعب عليه أن يقول لمكتبته الشخصية وداعا .
عندما انتقل مانغويل الكاتب و الناقد البارز مؤخرا من بيته الريفي الكبير إلى شقة صغيرة بإحدى المدن كان هذا يعنى تفكيك مجموعته من الكتب و التي بلغت نحو 35000 كتاب إلى مجموعة من الحزم ، و قد شبه تلك العملية بعملية الدفن .
الأمر الذي دفعه لأن يقول (( عندما تضع اشياءا في صناديق فإنها أحيانا تعود إليك ، لكنه في اغلب الأحيان يتم نسيانها ، وأنا لا استمتع بهذه التجربة ))
إحساس المقبرة كان واضحا في وصفه لفقدان مجموعته من الكتب ، حيث يقول (( اعتقد أنني سأنهى أيامى في هذه المكتبة لأنها كانت أياما رائعة و كذلك لأنني كنت سعيدا هناك و لكن بعد ذلك تدخلت البيروقراطية و كل تلك الأمور البغيضة و بعنا المنزل و قمنا بتحزيم الكتب و رحلنا )) .
و يكمل (( أنت تعتقد انك في الجنة و تنسى أن الجنة هي المكان الذي يحكم عليك بفقدانه ))
و قد كتب مانغويل عن تجربته في تفكيك مكتبته الشخصية في كتاب بعنوان ( تحزيم مكتبتي : مرثاة و عشر استطرادات ) .
إذا كنت تطمح إلى امتلاك مكتبة شخصية كبيرة كالتي يمتلكها مانغويل ، فإليك بعض النصائح لكي تمضى قدما في هذا الأمر .
الخطوة الأولى : لا تعر كتبك لأحد
يتحدث مانغويل عن هذا الأمر بقوله (( لم أقم أبدا بإعارة كتبي للغير فإعارة كتاب تغرى القارئ بالسرقة و الكتب التي يتم إعارتها نادرا ما تعود و إذا أردت أن يقرأ شخص ما كتابا بعينه فإنني اشترى هذا الكتاب . و أنا أؤمن بنصيحة بولونيوس ( إحدى شخصيات مسرحية هاملت لشكسبير و التي امتلكها في مكتبتي ) لإبنه ( إياك أن تستعير أو تعير ) ))
الخطوة الثانية : اتبع إحساسك
يشير مانغويل إلى أن مكتبته الخاصة تعكس تعدد ووفرة اهتماماته ، فهو يمتلك ألاف من الروايات البوليسية بالرغم من أن لديه قليل من قصص الجاسوسية ، و هو يهتم باقتناء مؤلفات أفلاطون أكثر من اهتمامه باقتناء مؤلفات أرسطو ، و لديه كذلك الأعمال الكاملة للأديب الفرنسي زولا ، و بالكاد لديه بعض أعمال الأديب الفرنسي موباسان ، و يمتلك كذلك جميع أعمال الأدباء الأمريكيين جون هاوكس و سينثيا اوزكيك ، إلا أن لديه قليل من أعمال الأدباء الموجودة في قائمة النيويورك تايمز للكتب الأعلى مبيعا .
و يضيف (( أنا لست مجبرا على اقتناء اى كتاب ، و كذلك أنا لست مجبرا على قراءة كتاب لمجرد أنه من الأعمال الكلاسيكية و أمهات الكتب ، أو لأنني سمعت أنه موجود في قائمة الكتب الأعلى مبيعا ))
و يرفض مانغويل الفكرة القائلة بأنه لا يجوز أن تحكم على كتاب من غلافه ، حيث يقول (( اننى ادع احساسى هو الذي يقودني ، و أنا اهتم بعنوان أو غلاف الكتاب ، و بعض الكتب اهتم بها لأنني سمعت عن المؤلف ))
و يضيف (( اننى اشترى الكتاب الذي يحمل مثل هذا العنوان الذي لا يقاوم ( دوستوفسكى يقرأ هيجل في سيبيريا و ينفجر في البكاء ) ))
و يتساءل (( كيف لا تستطيع قراءة كتاب بمثل هذا العنوان ؟ ))
يعتبر مانغويل نفسه سعيدا لأنه يعترف أن جمع الكتب يمثل له هاجسا ، حيث يقول أنه (( لا مشكلة في وجود هاجس طالما أنه لم يدفعك إلى ارتكاب جريمة )) .
و لم تستطع عاداته أن تقضى على التغيرات التي تمثل مصدر توتر لأهل بيته ، حيث يقول (( لقد اشتكت شريكتي في إحدى المرات من قيامي بإقتناء مجلدين عن تاريخ نيجيريا الاقتصادي ، إذ قالت لي لماذا تود اقتناءهم؟ ، فقلت لها حسنا هل تعلمين انه في يوم من الأيام أردت أن اعرف حجم إنتاج الموز في عام 1926 ووجدت الإجابة في كتاب موجود على إحدى أرفف مكتبتي ))
و في الوقت الذي يعتبر فيه مانغويل نفسه جامعا للكتب ، و غير متحمس لاستعارتها ، فإن المكتبات تمثل دائما بالنسبة له مكانا أمنا ، و يشرح التناقض بين ترتيب المكتبة و فوضى العالم ، حيث يقول أن (( الشئ الأكثر وضوحا لنا هو أننا نعرف أن العالم فوضوي ، و يفتقر إلى المعنى ، حيث لا يوجد معنى أو سبب لكل شئ يحيط بنا ، و هناك بالطبع قوانين تحكم الطبيعة ، لكن القصة التي نعيشها لا معنى لها ، و في النهاية فإن ما نستطيع أن نأخذه من العالم هي خبراتنا عن العالم ، و تلك الخبرات مدونة في الكتب و تشكل نوعا من النظام ))
و يضيف (( هذا النظام هو ما يساعدنا على أن نفهم و أن نجد السلام في داخلنا و في العالم المضطرب ))
و يواصل حديثه قائلا (( اشعر بالاطمئنان عندما أكون في المكتبة ، لأنني اشعر أنني في مكان منظم – حتى و إن كان هذا النظام اعتباطيا – سواء كان هذا النظام حرفيا أم عدديا أو حتى من خلال الموضوع و هذا ما يجعل لدى بعض الشعور بأنني في مكان أمن و محكم ))
الرابط الاصلى للموضوع
https://www.abc.net.au/news/2018-07-30/how-alberto-manguel-dismantled-his-book-collection/10033052