رواية "تغريبة النار" للمبدعة "فاطمة حمدي" - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

رواية "تغريبة النار" للمبدعة "فاطمة حمدي"

مقاربة سيميوتأويلية لعنوان الرواية

  نشر في 24 ديسمبر 2019  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

كتبه : عبد الرحمان بردادي

قبل أن نتحدث عن العنونة في اللغة و الاصطلاح، فليدعنا هذا العنوان الكبير- للفصل- نبحث في أغواره، لنتقصى كنهه و جوهره، فما المقصود بسيميائية العنوان؟ و كيف نستطيع قراءة العنوان من النظرة السيميائية؟ سؤال يطرح كبديهية و كابتداء في العمل النقدي، بحكم أن العنوان هو أول العتبات استشرافا في نظر المتلقي أيا كان نوع هذا الأخير.

و انطلاقا من فكرة أن العنوان اختزال للنص المعنون به، و اختصار له، و هذا قد ورد عند نقادنا القدامى و المحدثين، نجد العنونة عند جيرار جينيت هي" مجموعة من العلامات اللسانية (...) التي يمكن أن توضع على رأس النص لتحدده، و تدل على محتواه لإغراء الجمهور المقصود بقراءته...." و قد يفسر لنا هذا القول لجينيت المقصود بسيميائية العنوان، و التي تعتبر الدراسة الدلالية-العلاماتية لعنوان النص، و إبراز دواله المتحكمة في المتن المعنون به، "فاسم المؤلف و عنوان الكتاب مادتان تتكفلان بوضع المُؤَلَّف في الفضاء الثقافي لعملية القراءة، و أمام قراءة ذوي أوضاع اعتبارية متباينة" و هذا أمر قد تطرقنا إليه سابقا.

إذن فالعنوان بمثابة النافذة التي يطل منها القارئ على النص الإبداعي، ليكتشف هذه الكتلة الدلالية، و إشاراتها العلاماتية، عن طريق العالم الدلالي المتضّمن فيها. فمن هذا الطرح سنعمل في مباحث هذا الفصل على تعريف العنوان أولا و بيان آثاره الوظائفية و على كشف و إظهار العلامات اللغوية و غير اللغوية، التي تقبع في هذه العتبة العنوانية المهمة.

قبل أن ندخل غمار البحث السيميائي في عنوان الرواية الأنموذج " تغريبة النار "، سنعرج و إياكم إلى المعنى اللغوي و الاصطلاحي لكلمة (عنوان) و التي تحيلنا إلى عدة معان، لكننا سنقتصر على المعنى الإجمالي من لسان العرب، "فالعُنوان و العِنوان سمة الكتاب. وعنونه عنونةً و عُنوانا و عناه وسمهُ بالعنوان" ، و قال العكبري أيضا:" عنوان الكتاب، ما يعرف به"،و قد ورد في العقد الفريد لابن عبد ربه الأندلسي، تشبيه للعنوان و نمطيته الاختزالية بقول النميري:" الشيب عنوان الكبر" و بالتالي فإن عنوان الشيء هو ظاهره و تعريفه ، و قد نشبهه بمطار البلاد ، فإن كان مطارها حسنا جميلا، مغريا، يعجب به الناس، و ترتاح من نظرته العيون، فسيكون توقهم شديدا لرؤية البلاد و جمالها، و منه فإن جمالية الرواية تعكسها القدرة الدلالية التي يبثها العنوان في نفسية المتلقي، مهما كانت درجة هذا الأخير. و تستقيم في أذهاننا دلالة العنوان و معنويته، إذا علمنا أن "عنوان الكتاب يجمع مقاصده بعبارة موجزة في أوله"، فالطابع الجمعي من مظاهر العنوان، لأنه مختزل موازن لمباحث الكتاب، و لأبيات القصيدة، و لأحداث الرواية.

أما في التعريفات النقدية الحداثية، فقد أشارت الدراسات إلى أن العنوان لا يمثل متنه في كثير من الأحيان، لامتطائه وظيفة إغرائية أو إيحائية أو ما شابه، و من بين المختصين في مجال العنونة لوي هويك (Loe Hoek) الذي يرى أن العنوان هو" مجموعة العلامات اللسانية، من كلمات وجمل، وحتى نصوص، قد تظهر على رأس النص لتدل عليه وتُعيّنه، تشير لمحتواه الكلي ولتجذب جمهوره المستهدف"، و هذه الجاذبية إنما تتأتى من طريق التشويش أو الإغراء و الإيحاء، و سيكون لنا كلام في هذه الوظائف في المباحث القادمة.

لكن السؤال المطروح هو عن الدلالة التي استخدمتها) فاطمة حمدي( في كتابتها و نحتها لعنوان الرواية "تغريبة النار"، الذي يحمل بعدا رمزيا كبيرا و إيحاء لوجود نازع قوي بين الغربة و النار و نص الرواية.

التعريف اللغوي و الاصطلاحي لعنوان الرواية:

غرب :الغَرْبُ والـمَغْرِبُ : بمعنى واحد . قال ابن سيده : الغَرْبُ خِلافُ الشَّرْق ، وهو الـمَغْرِبُ . وقوله تعالى : رَبُّ الـمَشْرِقَيْن ورَبُّ الـمَغْرِبَيْنِ ؛ أَحدُ الـمَغْرِبين : أَقْصَى ما تَنْتَهي إِليه الشمسُ في الصيف. وفي الحديث : أَن النبي ، صلى اللّه عليه وسلم ، أَمَر بتَغْريبِ الزاني سنةً إِذا لم يُحْصَنْ ؛ وهو نَفْيُه عن بَلَده . والغَرْبة والغَرْبُ : النَّوَى والبُعْد، التغريبُ : النفيُ عن البلد الذي وَقَعَتِ الجِنايةُ فيه .

يقال : أَغرَبْتُه وغَرَّبْتُه إِذا نَحَّيْتَه وأَبْعَدْتَه . والتَّغَرُّبُ : البُعْدُ . و غريبٌ : أي بعيد عن وَطَنِه

و في الاصطلاح نجد كلمة التغريبة، تأخذ من مشربها اللغوي، فالمُغْتَرِبٌ عَنْ بَلَدِهِ : النَّازِحُ عَنْهُ، حسب قاموس المعاني الجامع.

أما الشق الثاني من العنوان: النَّارُ : فهو عنصرٌ طبيعيٌّ فَعَّالٌ ، يمثلِّه النُّورُ والحرارة المحرقة ، وتُطلَق على اللهب الذي يبدو للحاسَّة ، كما تُطلَقُ على الحرارة المحْرقة، كان على نار / جلس على نار : كان متلهفًا ، متطلِّعًا ، قلقًا . و نجد من خلال هذا المعنى الأخير أن البنية الدلالية للعنوان تحمل نوعا من التوهج الذي يسقط على دال التغريبة، فالغربة نار يشتد لهيبها في نفسية المغترب البعيد عن وطنه، النازح عنه بقصد أو بغير قصد. فنجده ذا لهفة و تطلع و قلق للعودة إلى وطنه.

إنّ هذه السمات الموجودة في ثنايا المتن الروائي، تستهدف الكثير من الُبنى السردية، و قد يكون الكشف عن هذا الاستهداف و عن الدلالة الكامنة فيه، بالدخول في أغوار عناصر البنية العميقة deep structure، أو كما يسميها غريماس بالبنية التحتية المتحكمة في البنية السطحية و المولدة لها، و لدراسة البنية العميقة و الكشف عن مسارات الدلالة وجب التمعن جيدا في مدى قابلية المتن السردي للإجراء النقدي المتبع.. انتهى 


  • 3

   نشر في 24 ديسمبر 2019  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

التعليقات

HAWRAA K.M منذ 4 سنة
مقال جميل.. ليتك كتبت مراجعة الرواية أيضاً
1
عبد الرحمان بردادي
لعيونك ..سأفعل ذلك..

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا