نمر بأيام ثُثقل نُفسنا جميعاً, وربما هى أحداث لم ولن نشهد مثلها أبدا, عزل اجتماعي,حرمان من صلوات الجماعه وحرمان من سماع إقامة الصلاه, تسمع عن جارك الذي توفاه الله ترتجف وتخشي على نفسك ألف مرّه قبل أن يتبارد لذهنك أن تترحم عليه, بل وتسمع عن وفاته وتٌحرم من صلاة الجنازة.
أيام لا يملك أحد أن يُهوّن على الآخر كُلنا نغامر ونصارع المجهول, نُفكر كثيراً ونصمت كثيراً ونبكي خٍلسه, نفوس فاتره وأحلام مُبعثره ومُستقبل مُشوّش, نقضي ليلنا نتسائل ماذا بعد؟ ثم نغفو ونستيقظ على مكبرات المساجد أن" الله أكبر الله أكبر" أيام نهرب من مواجهه الصباح الذي لم يأت بجديد على أمل أن نستيقظ يوماً على صباح جديد أكثر أمان وطمأنينه, أكثر استقرار وهدوء.
أسمع اذان الفجر وسط الظلام فيبدد ثقل نفسي ويأخذ من قلبي خوفه ويأخذ بروحى شوقاً للقاء خالقها, يثقلنى النوم فأتذكر حبيبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول"ركعتى الفجر خير من الدنيا وما فيها" فأبتسم وانفض عنى الهم والخوف وأذوب فى ركعتين أبكى وأدعو وأتوب وأتطهر.
كم قصّرت فى شكر النعمه؟ وكم ليلة رائعه نسيت أن أحمد الله فى نهايتها على رزقه, كم تململت وتأففت ونسيت أنه من بات آمن فى سربه معافى فى بدنه فقد حيزت له الدنيا؟ كم كُنت أريد الدنيا حقاً.
وأين هى الدنيا الآن لا هى فى اليد ولا هى فى القلب, هى الآن أسفل الحذاء شئنا أم أبينا, كم غرتنا وفتنتنا؟, لربما نمر بضائقه تُعيد الموازين وترد للقلب نوره بأن يجعل همّه الحياة الخالدة لا دار الفناء.
لربما كُتب علينا العزل فى منازلنا وسط أزواج وأولاد لنتصور كيف يكون العزل وحيدون فى قبورنا؟, كُتب علينا أن نرى اللهث وراء المال لا قيمة له وأنه لم ينفعنا وقت ما ضمّتنا الأسره الصغيره التى وللأسف كُنا نهملها ونجعلها أخر ما نمنحه من أنفسنا.
الأولويه للعمل والأصدقاء ومواقع التواصل وفى النهايه إن تبقى فُتات محبّه أو عطاء منحناه لغرف أطفالنا المغلقه, أو منحناه بابتسامه عابره تُحى فى روح أولادنا أمل أننا ربنا يوما ما نعود لنضحك من قلوبنا معهم.
هى أيام صعبه ولكن رُبما تفتح لقلوبنا منافذ للنور, ليري الحق حقاً ويري ما الذي يستحق أن يُمنح حُباً أولاُ, هى ضائقة أكتشفنا فيها أن أيدي أطفالنا الصغيره حانية وأن أحضانهم رحبة,وأن قلوبهم تغفر وتعفوا وأننا فقط من وهنّا من فرط البعد عنهم.
الآن كُلما ازاع مكبر الصوت فى المسجد الذى بجانبي عن صلاه جنازه فررت إلى حُضن صغيري الذي لم يبلغ ثلاث سنوات بعد, فررت الى قلب مفعم بالأمان فلا يعرف معنى الموت وان عرفت فبراءته ومحبّته لله تجعله أكثر أمن فيقينه أن الله رحيم وأننا نُحبه وهو يُحبنا, ونطيعه ونُحسن عبادته كما يحب ويرضي وهو لن يحرمنا جّنّته,رُبما يُعبّر ببساطه أكثر,لكنى أفر اليه لأمتلئ صبرًا وأملًا ويقينا على أن الله أرحم بنا من أُمهاتنا,أفر اليه بكل عجز وخوف ليهئ روعى كفٌ صغير يفتح منافذ النور فى قلبي لأرى ما الذي يستحق أن يُمنح كُل شئ بكل حُب ورضا.
فيا صغيري هذا عجزي وقله حيلتى وهذه الأيام الرمادية الثقيله, وهذا قلبي قد أهترء من الخوف, وهذا حُضنك فيه الشفاء وهذه يدك فيها الهناء فاغفر ماكان منى من سوء وخبّئني فى ضحتك الى أن تمضي المحنه وأعود وقد تعلّمت أنك قبل الدنيا وما فيها.