عـليــــــاء نــــفـــــــس (الجزء الأول) - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

عـليــــــاء نــــفـــــــس (الجزء الأول)

  نشر في 16 يوليوز 2023 .

فتحت عليـــاء الثلاجة ككل صباح لتجدها فارغة. تعودت على المشهد منذ فترة، مذ فقد والدها كل ثروته في المناقصة الأخيرة مع الشركة الأجنبية. كان يعتقد أنها ستذر عليه وعلى أسرته ما يمكنهم من العيش في ترف ورفاهية لباقي العمر. وضع كل آماله وأمواله على المشروع الجديد لكنه فشل، وخسر كل شيء. انقلبت روح المغامرة لديه إلى ندم، أحس بأن القدر أحبط نواياه. لم يكن يتوقع كل هذه الخسارة. جل ثروته، أصبحت في خبر كان!

أبو علياء اليوم في حال لا يحسد عليها، بعد أن كان من وجهاء المدينة أضحى فقيرا لا يملك قوت يومه. دخل في حالة من الحزن المزمن. يرتاح منها بين الفينة والأخرى عندما تحضنه ابنته. لكن علياء ذات العشرين ربيعا ليست أقل حزنا ولا تأثرا من أبيها، إنما هي فتاة استثنائية. هذبت نفسها منذ أن فارقت أمها الحياة، على أن الصبر ليس فقط مفتاح الفرج، بل مفتاح السكينة الأبدية، مهما كانت أمواج الدنيا عاتية، ومهما تراكمت الهموم على ممرات الأيام. فليس هناك أكبر من ألم الفقد، فَقْدِ مَن لا عِوَضَ لَهُم، ومن ينفطر القلب لرحليهم كل يوم.

لم تتعود علياء على العيش في البيت الجديد، تحلم كل ليلة بحديقة البيت القديم، وبالشجرة الصغيرة التي كانت العصافير تحط عليها كل صباح لتغرد والرياح تداعب خدودها. كانت دائما تتساءل: كيف يمكن لبعض البشر أن يسجنوا هاته الكائنات البريئة في أقفاص؟ وما ذلك الذنب الذي اقترفته لتُسجن حتى تَنسى أن لديها أجنحة؟ الطيور لن تكون يوما سعيدة مع البشر، ولذلك كانت تزودهم بشيء من الماء وفتات الخبز، لتفوز بقربهم لحظة...ثم تتركهم يذهبون إلى حال سبيلهم.

لا زال أخوة علياء الثلاثة صبيانا، يبيتون في حضنها كل ليلة. ينامون بين ضلوعها بينما تبقى هي مستيقظة ساهرة، تفكر في طريقة تنقذها وأسرتها من دائرة الفقر. تتذكر دوما حلمها بأن تكون مصممة أزياء مشهورة، وبأن تكمل دراستها في ريادة الأعمال بعدما تفوقت في امتحان الولوج بالجامعة. حلم سرقه منها القدر. لكنها لم تيأس، وظلت محافظة على روح الطفلة بداخلها، طفلة مشاكسة، محبة للعب والمرح، تعشق الضحك بلا سبب...

تشتغل منذ فترة في مخبز العم طارق على ناصية الحي، وعلى ناصية كل الأحلام التي ضيعت طريقها. تصنع الفطائر على مدى يوم كامل مقابل دراهم معدودة، أصبحت تعول بها أسرة بعد أن كانت صاحبة قصر. لم تخبر العم طارق بقصتها رغم فضوله، ذلك أن لديها عزة نفس وكبرياء يَحْطِمَانِ الحجر، وأنفة تمتلكها كل امرأة حرة لا تؤمن بالإخفاق. ظلت تصمم الفساتين بما تبقى لديها من مواد للرسم وتبعثها لبعض من تعرفت عليهم من المحترفين في المجال قبل أن يدق الفقر بابها، مر وقت طويل ولم تتلقى جوابا فخطرت لها فكرة.

قررت أن تقترح على الخياطة اِسْتْر، صديقة أمها في الماضي، أن تخيط تصاميمها وتعرضها للبيع في محلها على أن تتقاسمان الأرباح. لم تكن تعلم أن اِسْتْر لم تعد تمارس تلك المهنة منذ زمن وأنها الآن تشتغل بدار للمسنين. عند زيارة علياء لها اعترفت لها اِستر بأنها على علم بكل شيء وبأنها تود أن تساعدها ماليا ولو بالشيء القليل. أكدت لها علياء أننها أتت لتطرح عليها فكرة فحسب. شكرتها على التفاتتها وأخبرتها بأن لا حاجة لها بالمال.

كانت تكذب، كانت بحاجة لأي قرش يساعدها على أن تبقى صامدة أمام الجوع. لكن ماذا تفعل بكرامتها عندما تمد يدها. كانت تعلم اِستر أن الفتاة تشبه أمها في كل شيء، في عينيها وابتسامتها، وعنفوانها...لم تلح عليها كثيرا ووعدتها أنها ستربط الاتصال بإحدى زبوناتها القدامى، تذكرت أنها دائما كانت تحدثها عن خياط معروف في المدينة، يحترف خياطة الفساتين فقط وقد علا صيته في الفترة الأخيرة.



   نشر في 16 يوليوز 2023 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا