- لم أكن مجرد رغيف خبز، بل كنت حبة قمح أعيش وسط السنابل الملأى أبتغي العيش بين حقولها التي تعانقها الأنهار والشلالات كأنّه عناق الاُم لابنها بعدما أرهقها ألم الهجر والفراق، كنت كغيري من القمح مبتهجا بلوني الذي تتسلل على ناصيته خيوط الشمس الذهبية فتضفي عليه بريقا من الوهج واللمعان كعيني حور عين لكنهما عسليتان، كنت أنا وعائلتي داخل كل سنبلة ننحني ونخر سجدا في كل مرة نزداد جمالا نحمد الله على أن خلقنا وانبتنا نباتا حسنا حتى نتجلى أمام الملإ بهذه الحلة الصفراء المميزة التي تسر الناظرين، كنت دائم السؤال لوالدي الذي كان يعيش أعلى قمة السنبلة، لماذا خلقنا الله عز وجل؟ هل لنسبحه، أم لنحمده، أم أننا خلقنا عبثا؟ لكنه ينكر صوتي ويهمس قائلا "سبحانك اللهم" ،
ذات يوم استيقظت على صوته الذي لم أسمع منه سوى التسبيح، يدعونا للوداع الأخير، سنرحل من هذه المنطقة، هل سنرحل حقا؟ لحقل آخر أكثر جمالا! ، كانت جميع السنابل سعيدة بهذا الانتقال، حملتنا أيادي الفلاحين و وضعنا داخل قفف صغيرة ، ولكن سرعان ما حملتنا أياد ٱخرى كان ملمسها أكثر نعومة وأرق حيث ٱفرغنا من محتوانا وافترقت عن عائلتي، وضعت هذه المرة مع أصدقائي داخل حجر كبير بدأت عجلته تدور بنا، كانت السعادة تغمرنا جميعا، ونحن بين أحضان العجلة الدوارة كما كنا نحسبها ولكن سرعان ما شيّعت جنائزنا وحملنا إلى مثوانا الأخير إذ أصبحنا غبارا أبيض تنعته الفتيات من حولنا ب"الفرينة " سمعت قبل وفاتي بثانيتين أنّنا سنصير رغيف خبز للعالمين ، فهمت سكوت أبي حينها وعلمت جواب سؤالي؟ إنّما خلقنا رزقا للبشر، يأكلنا الأغنياء والمساكين
_________
نسرين سماحي
-
نسرين سماحيكاتبة روائية ، رواية دانتسو