تناغم روحٌ تقرأ
" في كل كتاب هناك حياة ، وكلما قرأت تتعمق في عوالم وحكايا لا تنتهي ، بل تصنع لك حياة من العدم إن شئت. "
نشر في 16 شتنبر 2016 .
يخرجُ الحرف من تلابيب شفاهكِ ، بخفة ريشٍ مترنح طائر في نسمات هواء هادئ ، مضمونه ثقيل مكتنز يغذي الروح بإبداعه ، جميلاً ينساب إلى أذناي كنغمة يطرب لها الفؤاد ، تحاربين المنطق بلطف ناعم ؛ وتتجولين في زوايا عقلي كضيف عزيز لا أريده أن يرحل ، همسات صوتكِ بعد مغادرتكِ يبقى صداه يصدح، ليكون جرعة إدماني برغبةٍ مني ، وطيفكِ المتوهج يبقى دفئه مشتعلاً يربك الروح وينعشها حياة.
تلك الحروف التي خرجت حينما رمت بي في حديقتها المكتنزة بأطيب أنواع الحرف وأشدها ندرة ، كلما تجولت في حدائقها زادني الشغف حد النشوة التي تنعش روحي ثمالة وهذيان بهذا الحرف ، حتى جعلتني أود البقاء في دخاليج حديقتها دون رغبة بالمغادرة.
بتناغم وانسياب لطيف تطوف حول حديقتها وتزيدها زينة بلوحاتها الراقية ، تمر بين حوائجها الثمينة بحرص ثابت ، ولها في كل بقعة حكاية ، تحكي من المقتطفات شيئاً يدل عن مكنوناتها المخبئة في جوف الصدر..
على الوجه الأخر الذي لا أعلمه ، كانت تمشي على حواف لوحاتها وحروفها ، تلتقط الورق المتساقط المليء بالرماد ، تخبئ هذا الوجع عمن حولها ، وتحاول إبراز ابتسامتها الزائفة لتبدو بخير، لمحت شيئاً جافاً سقط من يدها فاقتربت ، حتى رأيت جانباً من عالمها يذبل ويبهت شيئاً فشيئاً ، تلك الحديقة الجميلة ، واللوحات الثمينة بما تملك ، أراها تبهت جراء اليأس الذي بات يخنق أوصالها ويطمس هوية قلبها ، فما هذه الأشياء سوى انعكاس لروحها وقلبها الشغوف..
دنوت منها والفتات يتساقط من يديها ، كان كرماد بائس وفتات ورد مهترئ وأغصان يابسة ، رغم ذلك تحمل في سوادها قيمة مختزلة ، فهي كالذكريات لا تفيد لكنها كانت تحمل في الماضي حياة تستحق أن تكون ذكرى .. جلست بين فتاتها ، أداعبه بيدي ، حتى قررت أن أكون ذلك السند الذي تتكئ عليه لتستمر بطموحها فيما ترنو إليه ، حتى صنعت لها قبعة من قش تحمل من المعاني ما تجعلها تشعر بالأمان في هذه الحياة ..
نظرت في عينيها الحالمتين وترددت حروفي على مسامعها في دفقات من أمل ، تسابقت الحروف في السرد فهتفت مبتسماً: ورفعت قبعة القش أغمسها في خصلات شعرك برفق، وعيناكِ خجلى ، وخدك محمر، وابتسامتك كطيف من أمل ، وروحك معبقة بالحياة ، وتعديني بكل شغف ، أنك ستكونين الضياء في عتمة الليل ، وسراج الدرب لكل تائه ، وحياة للقلوب الميتة ، ومضيت أرتقب ما وعدتني به ..
جل ما كتبته هو تناغم حرفي بين كتاب قرأته لم أعرف له عنوان ،تناغمت فيه وتعمقت في تفاصيله حتى عشت شعور كاتبه ، ولأن العقول والقلوب تتصل حينما نبدأ بقراءة مضمون ما ، فقد اتصلت الروح أيضاً بعالم في جوف هذه الكتابات ، وصنعت لي حياة من العدم ..