أسئلة عديدة أقضت مضجعه سنوات طوال،قبل أن يتكفل الزمان بحفظها على رفوف خزانة النسيان،بدل رميها في سلة مهملاته،و الفرق شاسع بين رفوف خزانة و سلة مهملات.
كيف يتغير إنسان فجأة؟ كيف ينسلخ من إنسانيته و عواطفه؟ أيعقل أن ينقلب إنسان على حبيبه دون سابق إنذار؟ !أسئلة تفر من خزانة النسيان الممتلئة ،لتثب و ترقص على ذاكرته المنهكة و عقله المضطرب الباحث عن أجوبة شافية تريحه.
لم يخطر بباله عند لقائهما الأول، و هو ذاك الشاب البسيط المتواضع، الذي لم يخبر بعد أسرار العلاقات الإنسانية، أنه سيصبح فيلسوفا...فبعد زواجه منها، تعلم و استوعب مفاهيم الحب و الحنان، و العشق و الهيام، و الإيثار و الثقة... و بعد رحيلها، أصبح همه مطاردة أجوبة لتساؤلات صاغها بنفسه فأرهقته!
ها هو اليوم و ككل مرة،وحيدا في غرفة شبه مظلمة،يعيد شريط ذكرياته، لعله يجد جوابا لأسئلة معلقة تأبى السقوط! فيتذكر لحظات السعادة و ثورة العواطف التي انفجرت و تدفقت بغزارة كالطوفان! تذكر كيف ازدحمت مشاعره بقلبه الصغير و تعانقت، تذكر كيف بادلته نفس المشاعر و الأحاسيس...تذكر دفأها و هي بحضنه البريء الذي لم يكن لغيرها...كل شيء انهار فجأة، بدون مقدمات تقلل من وطأة الصدمة...اختفت...فذبلت المشاعر و العواطف و جفت ينابيعها،و تحول كل شيء إلى حيرة نحتت في ذاكرته أسئلة سهلة، أجوبتها صعبة بالنسبة له!
تذكر كذلك كيف كانت حياته بعد رحيلها...تذكر الليالي الطويلة دون نوم...تذكر عصبيته الزائدة و خصوماته مع معارفه وأقاربه...تذكر استدعاءات المحكمة التي كانت تصله، فيهملها أو يرميها في سلة المهملات...تذكر ما ارتكبه من أخطاء و حماقات سخيفة...
لم يتمكن من متابعة شريط الذكريات إلى نهايته هذه المرة، فقد قاطعه صرير باب الزنزانة...من؟ إنه صديقه السجان:
__للأسف حان الوقت لـ... بالمناسبة، أوجدت أجوبتك الضالة؟؟
لم ينبس بكلمة، فتابع السجان كلامه:
__ما دمت ستستريح بعد قليل سأسألك سؤالا لينضم إلى أسئلتك المعلقة !
__اسأل يا صديقي...
__كيف استطعت ارتكاب حماقتك المشينة و أنت تعشقها؟
أجابه و عيناه تغرغران بدموع لامعة:
__سؤالك معلق هو الآخر...و الجواب ضال...أنا جاهز للرحيل !