الرمزية و التأريخ النصي في قصيدة ( ديمقراطية ) للشاعر فريد غانم - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

الرمزية و التأريخ النصي في قصيدة ( ديمقراطية ) للشاعر فريد غانم

  نشر في 11 نونبر 2016 .


الرمزية في الادب غالبا ما تتحقق بواسطة التوظيف للمرجعيات الرمزية في التأريخ الانساني و الوعي الاجتماعي و الثقافي او غيرها من الروافد ، المهم ان يكون لها مرجعية رمزية توظّف ، وهذا ما اسميناه ( الرمزية الخارجية ) التي تعتمد مرجعية و تأريخية خارجية ، لكن في السرد التعبيري و بفعل النفَس السردي لقصيدة النثر امكن للمؤلف من استحداث رمزية من نوع آخر ، رمزية مختلفة عن الرمزية المعهودة تتمثل بالتطوّر النصّي للشخصية ، و اضفاء قيمة و ثقل تأريخ نصي داخلي للشخصية او المفردة مما يكوّن مرجعية داخلية له في وعي القارئ و هذا ما اسميناه ( الرمزية الداخلية ) او التاريخ النصي .

اسلوب الرمزية الداخلية يظهر بشكلين الاول تحقيق تأريخ جديد لما هو تأريخي اي تحقيق رمزية جديدة لما هو ممعهود الرمزية و الاخر تحقيق تأريخ نصي مستحدث كليا لمفردة ليس لها تاريخ رمزي اي خلق الرمزية لما هو ليس رمزا معهودا . في قصيدة ( ديمقراطية ) المنشورة في مجلة ( اقواس الشعر ) اشتغل الشاعر فريد غانم على الرمزيات الثلاث اقصد الرمزية الخارجية المعهودة و الرمزية النصية المستحدث كليا و الرمزية الاضافية لما هو رمزي اصلا .

دمقراطيّة//

بقلم: فريد غانم

****

في الطّريقِ إلى واشنطن، ما يزالُ هنديٌّ أحمرُ يحملُ فروةَ رأسِهِ وجعبةً مملوءةً بأسهمِ وول ستريت، ولا يفهمُ لماذا حملَ سجناءُ أوروبّا مدينةَ أثينا القديمةَ على سفينةِ كولومبوس واستوطنوا في ظلِّ تمثال الحرّيّة، ليُعلنوا هُنا أنّهم وضعوا النّقطةَ الأخيرةَ في السّطرِ الأخير.

لقد سقطَتْ جمهوريّةُ إفلاطون من سقفِ كتابِهِ، حينَ اختلَّ التّوازنُ بينَ الذّكاء والغباء، فأكلت الجماهيرُ حجارتَها حجرًا حجرًا. أمّا الفارابي فقد طلبَ اللّجوء السّياسيَّ بعدما انهارَت مدينتُهُ فوقَ عمامتِه، ولكنَّ رُعاةَ البقر ما بينَ المُحيطَيْن، يؤثرون حبْسَ كارل ماركس لإدانتِهِ بتهمةِ التّحرّش الجنسي بخزانةٍ سمينةٍ، ويتقنونَ زراعةَ حقولِهم بالإسلاموفوبيا، والعربوفوبيا، والشّرقوفوبيا، والهِسبانوفوبيا.

وهكذا، سيصلُ الهنديُّ الأحمرُ في النّهاية إلى العاصمةِ، وقد ينجحُ في بيعِ فروةِ رأسهِ لتدفئةِ أُذنيّ سيّدةٍ هي حفيدةُ سجينٍ خرجَ قرنَئذٍ من زنزانةٍ في أوروبا العجوز وشربَ المحيط في الطّريق. وقد ينجحُ إفلاطون في بيعِ كتابهِ لإشعالِ موقدٍ في برميلٍ صدِئً في ليالي ال"هومْ-لِسْ". وقد يفلَحُ الفارابي في الحصولِ على تأشيرةِ دخولٍ إلى ملجإً تحت الأنفاق، في حيِّ "هارلم" المُضاءِ بالسّواد. لكنْ من المؤكّد أنّهُما، فيما يتناطحُ ثورا "بوفالو" على اعتلاء العتبةِ العليا من جبل الأولمب، لن يجدَا مساحةً للوقوفِ في ساحات نهايةِ التّاريخ، فيضطرّان إلى المضيِّ حتّى البداية.

نجد في النص تجليا للرمزية الخارجية المعتمدة على التأريخية المرجعية العامة في توظيفات واضحة مثل (هنديٌّ أحمرُ \ أسهمِ وول ستريت مدينةَ أثينا \ سفينةِ كولومبوس \ جمهوريّةُ إفلاطون \ الفارابي \ عمامتِه\ رُعاةَ البقر \ كارل ماركس \ بالإسلاموفوبيا \العربوفوبيا \الشّرقوفوبيا\ والهِسبانوفوبيا.\ إفلاطون \ ال"هومْ-لِسْ". \ حيِّ "هارلم" \ جبل الأولمب)

و نجد الرمزية الاضافية ، اي رمزية نصيّة لما هو رمز اصلا بفعل تأثير النص و سرديته فيحصل تطوّر في الشخصية و ثقل معنوي مختلف مثل ( الهندي الاحمر ) و ( الفارابي ) و ( افلاطون )

فبخصوص الهندي الاحمر ، يقول الشاعر :

( في الطّريقِ إلى واشنطن، ما يزالُ هنديٌّ أحمرُ يحملُ فروةَ رأسِهِ وجعبةً مملوءةً بأسهمِ وول ستريت، ولا يفهمُ لماذا حملَ سجناءُ أوروبّا مدينةَ أثينا القديمةَ على سفينةِ كولومبوس واستوطنوا في ظلِّ تمثال الحرّيّة، ليُعلنوا هُنا أنّهم وضعوا النّقطةَ الأخيرةَ في السّطرِ الأخير.) ثم ( وهكذا، سيصلُ الهنديُّ الأحمرُ في النّهاية إلى العاصمةِ، وقد ينجحُ في بيعِ فروةِ رأسهِ لتدفئةِ أُذنيّ سيّدةٍ هي حفيدةُ سجينٍ خرجَ قرنَئذٍ من زنزانةٍ في أوروبا العجوز وشربَ المحيط في الطّريق. )

و بخصوص الفرابي و افلاطون :

( أمّا الفارابي فقد طلبَ اللّجوء السّياسيَّ بعدما انهارَت مدينتُهُ فوقَ عمامتِه، ولكنَّ رُعاةَ البقر ما بينَ المُحيطَيْن، يؤثرون حبْسَ كارل ماركس لإدانتِهِ بتهمةِ التّحرّش الجنسي بخزانةٍ سمينةٍ، ويتقنونَ زراعةَ حقولِهم بالإسلاموفوبيا، والعربوفوبيا، والشّرقوفوبيا، والهِسبانوفوبيا.) ثم ( قد ينجحُ إفلاطون في بيعِ كتابهِ لإشعالِ موقدٍ في برميلٍ صدِئً في ليالي ال"هومْ-لِسْ". وقد يفلَحُ الفارابي في الحصولِ على تأشيرةِ دخولٍ إلى ملجإً تحت الأنفاق، في حيِّ "هارلم" المُضاءِ بالسّواد. لكنْ من المؤكّد أنّهُما، فيما يتناطحُ ثورا "بوفالو" على اعتلاء العتبةِ العليا من جبل الأولمب، لن يجدَا مساحةً للوقوفِ في ساحات نهايةِ التّاريخ، فيضطرّان إلى المضيِّ حتّى البداية.)

من الواضح ان رمزية الهندي الاحمر المععودة للاصالة و رمزية الفارابي و افلاطون للمجد و الخلود اقول من الواضح ان النص قد سلب كل ذلك ، و لخّص القصة في عملية سلب و استلاب ، فتجد الهندي الاحمر عند فريد غانم تائه و باحث عن وجوده ولو بخدمة الغريب ، و تجد فارابي و افلاطون في نص فريد غانم على حافة التأريخ بل خارج التأريخ اصلا . و بهذا نجح الشاعر في صناعة رمزية داخلية و تأريخ نصي مغاير للرمزية الخارجية و التأريخ الخارجي العام .

و اما الرمزية الداخلية و التأريخ النصي فاضافة الى ما بيناها من الرمزية الاضافية فهناك رموزا صنعها النص بسرديته و ثقله في وعي القارئ ، منها كلمة ( الطريق )

( في الطّريقِ إلى واشنطن، ما يزالُ هنديٌّ أحمرُ يحملُ فروةَ رأسِهِ \ أمّا الفارابي فقد طلبَ اللّجوء السّياسيَّ بعدما انهارَت مدينتُهُ فوقَ عمامتِه، \ وهكذا، سيصلُ الهنديُّ الأحمرُ في النّهاية إلى العاصمةِ،\ وقد ينجحُ في بيعِ فروةِ رأسهِ لتدفئةِ أُذنيّ سيّدةٍ هي حفيدةُ سجينٍ خرجَ قرنَئذٍ من زنزانةٍ في أوروبا العجوز وشربَ المحيط في الطّريق\ . وقد ينجحُ إفلاطون في بيعِ كتابهِ لإشعالِ موقدٍ في برميلٍ صدِئً في ليالي ال"هومْ-لِسْ". \ وقد يفلَحُ الفارابي في الحصولِ على تأشيرةِ دخولٍ إلى ملجإً تحت الأنفاق، في حيِّ "هارلم" المُضاءِ بالسّواد. \ فيضطرّان إلى المضيِّ حتّى البداية. )

من الواضح ان جميع هذه العبارة اشتملت على ( الطريق ) تصريحا او تضمينا فالفارابي ما كان يمكنه طلب اللجوء السياسي الا بقطعه الطريق و افلاطون ما كان سينجح في بيع كتابه لاجل ليالي الهوملس و الرجوع الى ( البداية ) لولا ما قطعه من الطريق . من الواضح ان ( الطريق ) هنا في النص و رغم تعدد سالكيه و شخصياتهم و تطلعاتهم الا انه اكتسب تأريخا نصيا ، و اكتسب رمزية خاصة ، و من خلال ما حمله الشاعر من معان و من دلالات ، صار دالا على شيء اخر غير الطريقية و السلوك و الوصول الى الغايات ، بل ان طريق فريد غانم هنا بات طريقا الى اللاوصول و طريقا الى السراب و اللاجدوى ، بل انه طريق للخسارة فاصحاب الطريق افلاطون و الفارابي و الهندي الاحمر كلهم الشخصيات الخاسرة ، امام شخصيات منتفعة ربحت في عالم الديمقراطية .

من خلال ما تقدم نجد تناغما بين اسلوب النص و رسالته ، فالاسلوب اعتمد صناعة رموز بدلالات و رمزية مغايرة لما لها على الواقع و في الخارج فصارت النهاية هي البداية و الطريق هي لاطريق، و فكرة النص و رسالته انّ هناك منتفعين صنعوا تسميات حرفت الحقائق و زورت الوقائع ، فصار المقدم مؤخرا و الوهم حقيقة و الواقع لاواقعا . و هذا بلا ريب من التعبيرية الفذة، الا انه ايضا من البلاغة الكتابية و يذكرنا بالبلاغيين العرب ، و بهذا جمع فريد غانم بين الاصالة و التجديد في مقطوعته المتميزة هذه و أوصل الرسالة بأكثر من طريق ، كما نبهنا نصه الابداعي ان التعبيرية يمكن ان تكون بلاغة في احد وجوداتها و تجلياتها الجميلة .



   نشر في 11 نونبر 2016 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا