<أعتقد أن القرار بخصوص النتائج المعرفية يتوقف على المزاج الشخصي>" نيتشه".
○عن المزاج أتكلم... كيف لنا أن ندرك ماهية المزاج في جوهره و كنهه إن لم نكن مبرزين علاقته بالمجتمع الذي يحاكى وينعكس على صفحات الأدب.
إذا كان الأديب فردا من أفراد المجتمع و مزاجه مزاج المجتمع ، فالأدب إذا سيكون مزاج للمجتمع يصفو بصفوه ويتعكر بتعكره . ولئن كنا نؤمن بالمزاج الفردي المميز ، يبقى ذلك سوى صبغة يصطبغ بها المزاج الكلي ،فالأديب لا يعدو جزءا من الكل وإن تميز بقوة كيفية ترداد مزاجه و مزاج مجتمعه على الورق. من هنا تنبثق لدينا ثنائية تربطها علاقة جدلية ، فالإنسان قد يكون له مزاج جيد أو سيء فيسقطه طبق الأصل على الورقة ، سوى أن إبداعه في كيفية إسقاطه هو ما يمكننا فعلا أن نأخذه كمعيار بين الأدباء . و بما أن مزاج أي مجتمع هو وليد مزاج السلطة المنتجة والمتحكمة في أيديولوجياته ، بيد أنهما متباينان ومتغايران ، ولا غرو أن نجد وشائج بينهما من حيث الأسس الفكرية و العقلية والروحية وغيرها كثير، إذ ان الاختلاف الأساسي الخطير يكمن من وراء النوايا المحمولة فوق الجهود المبتدلة في سبيل تحقيق غاية ذاتية لانفعية . تعد المنتوجات الثقافية المعروضة غصبا على الفرد والنوع ، أدوات تضمن لهم قدرة تسلسل التحكم بميزان الأمزجة أيما تحكم ، بما يعني أن الكاتب او الأديب يصبح مرغما على مزج أفكاره بأمزجة محيطه سواء عن وعي أو عن غير وعي . هكذا يصبح الأدب انعكاسا لمزاج المجتمع وبالتالي انعكاسا لمزاج جوهر التاريخ . هنا يأتي النقد ليكشف ويعري عن الأمزجة المضمرة في الخطابات الأدبية و السياسية و كل أنواع الخطابات الأخرى التي تخفي في بواطنها وطياتها ما يكشف عن العلاقات التي بموجبها يتجلى ما يجب عمله و إعماله ، ليبقى بعد ذلك، اتخاذ القرار في قدرة تنفيذ المستخلَص والمستكشَف أمر حاصل أم نقيض ذلك لحاجة في النفس . و تجدر الإشارة أن المزاج قد يكون جيدا أو سيئا أو ذكيا أو خبيثا... فينتج مزاجا معينا ، ليأتي بدوره مزاجا ناقدا . يبقى السؤال هو أين المزاج الذي تعَقَّل ما أنتجه الأول و ما قام به الثاني من مقاربة لكشف مضمراته ، لكي يتحقق مزاجا انسانيا نسبيا موحدا ؟ مادمنا لم نجد حلا علميا وموضوعيا يعيد للفرد حب الكتاب والمطالعة ، فلن نحقق مزاجا إيجابيا نسبيا موحدا ، وبطبيعة الحال سيبقى كل فرد محتفظ بمزاجه الشخصي. فرغم كثرة الدراسات العلمية و العملية و تعدد الحقول المعرفية ، عجز العقل و الفكر أن يحبب الفرد في الكتاب حبا فعالا يجد فيه نجاته ، إذ القوى المهيمنة لا تزال مسيطرة على أمزجة الفرد والنوع. و هنا تكمن المعضلة البشرية المتمثلة في إبعاد الفرد عمدا عن الكتاب و فساد مزاج القوى المهيمنة. حيث المسافة التي تبعد بين الفرد والكتاب تتضاعف بين مزاج السلطة وصلاحه او تغييره. هناك فعليا عند بعض الشعوب علاقة بين الكتاب وأعضاء سلطتها ، عدا أن هذا الكتاب من السلطة ككتاب الشعوذة من الدجال لا يستفاد منه ولا ينتج إلا ما هو شر للإنسان . كل رجال العلم و الفكر و الفلسفة و النقد و الأدب و الكتابة.... يسوقهم مزاجهم نحو استحداث نظرية أو تأصيل علم أو إبداع مفهوم إلى غير ذلك من مظاهر الإبحار في أعماق العلم والمعرفة والمزاج للكشف عن الحقيقة. ثم يتعذر عليهم بعلمهم و عظمتهم أن يَعْقِلُوا الفرد بالكتاب . إني أرى أن أعظم إنجاز فكري و علمي في التاريخ يجب أن نسعى إليه هو كيفية خلق علاقة دائمة بين الفرد والكتاب ، عندها يمكننا أن نصيب من الحقيقة الفعلية الشيء الكثير ، وليس كلها طبعا ، و كل مشاكل الحياة ستنتهي خلا التي لها مهمة إتمام الحفاظ على التوازن الكوني. وبالتالي سيكون إبحارنا في العلم مختلف عن السابق ، لتكون نتائجه وحقائقه مختلفة بدورها. ختاما لما سلف ذكره في هذا الخطاب المتواضع ، أقول كلمتي التالية ; "تتحدد فاعلية المزاج في مدى قدرة المرء على السيطرة على فكره و عواطفه. "