اليوم نحن بصدد التعرف على رواية مجرية مثيرة، نسج خيوطها أحد أهم الكتَّاب المجريين، وهو ميلان فيشت، الكاتب والشاعر والروائي المجري الكبير، الذي تم ترشيحه لنيل جائزة نوبل في الآداب في عام 1965 بعد ظهور النسخة الفرنسية من هذه الرواية التي نحن بصددها.
ظهرت رواية "حكاية زوجتي" عام 1942. بطل روايتنا الرئيس هو الراوي نفسه، القبطان الهولندي جاكاب شتور. تبدأ الرواية بأمر خطير جدا: "أن تخونني زوجتي، أمر توقعته منذ وقت طويل... لكن أن تخونني مع هذا...! إنني رجل يبلغ طولي قدما وبوصة، وأزن مائتي وعشرة باوندات، أي أنني عملاق حقا كما اعتادوا أن يقولوا، لو بصقت على هذا لمات".
تدور أحداث الرواية في ثلاثينيات القرن المنقضي، ويتطرق الراوي إلى الأزمة العالمية الكبيرة، لكنه لا يتحدث عن الحرب ولا عن الحركات اليسارية العصرية في تلك الفترة. يعيش جاكاب حياته كقبطان في حقبة ما بعد الحرب العالمية الأولى، إلى أن يتعرف على معلمة فرنسية رقيقة، تدعى ليزي، ويتزوج بها. تدور الرواية حول هذا الزواج وتذكر كل تفاصيله. يحكي جاكاب عن زوجته الفرنسية، ذات الجسم الصغير، التي عندما تمشي في الشارع، تكون كمن تريد أن تقول: حتى وإن كنت صغيرة الجسم، فإنني موجودة في هذا العالم. وبالفعل، كان لهذه السيدة وجود كبير في هذا العالم، حيث كانت تتنقل بين مثلث يتشكل من باريس ولندن وبرشلونة، لكن القبطان يدور حولها بلا توقف في طرق الملاحة بالبحر الأبيض المتوسط، محيطا بخيانات المعلمة الصغيرة، وكانت تختلف ردود أفعاله بين الانفعال والغضب في بعض الأحيان وغض الطرف والعفو في أحيان أخرى.
يتبع ذلك دوامة من الأحداث، يقع العشق في قمتها، يريد القبطان الطلاق، تريد الزوجة تسميم نفسها، ويتبين خلال كل تلك الأحداث أن كلا الطرفين لا يستطيع العيش على طريقته الخاصة مع الطرف الآخر، ولا بدونه أيضا ورغم ذلك يطلقها في النهاية. كل ذلك يرسمه الكاتب باحترافية شديدة ورؤية شائقة.
يترك القبطان البحر ويذهب إلى أمريكا الجنوبية لتكوين ثروة، يعكف على العمل صباح مساء، دون توقف. وبعد بضع سنوات يرجع إلى أوروبا بثروة كبيرة. يعلمه صديقه الحكيم، ساندرز، فلسفة الانعزال، ويعيش بلا عمل، هائما على وجهه، وحيدا. يبدأ في السفر والترحال مجددا، لنفسه وليس بسبب العمل. يعتقد أن لا شيء يربطه شعوريا ووجدانيا.
وبينما يستقل إحدى الحافلات يرى زوجته السابقة تسير في الشارع وبعد أن تقف الحافلة يهرول كالمجنون ويتصل بصديقتها ليسألها عن عنوانها، فتخبره بأمر صادم زلزل أركانه وهز أعماقه: لقد ماتت منذ سنوات. هنا يكتشف جاكاب أن هذه المرأة الخائنة كانت أهم شخص في حياته، وأن محاولته نسيانها طوال السنين الماضية كانت بلا جدوى؛ إذ لم يستطع نسيانها للحظة، بل يؤمن بأنه سيراها مرة أخرى، قائلا في الختام: " لكنني أؤمن – ولا يحاولنّ أحد إقناعي بغير هذا – وأضع كل ثقتي في أنها ستظهر مجددا في يوم ما، في جو مشرق، في شارع خال، في ركن ما، حتى وإن لم تعد بمظهر شبابي، فإنها ستخطو بخطواتها المعروفة اللطيفة، الصغيرة، الخفيفة، السريعة. وأن الشمس ستسطع عبر معطفها الأسود. أراهن بروحي على أن هذا سيحدث. وإلا فلِمَ العيش؟ إذ لا أنتظر إلا هذا، وسأظل أنتظره إلى آخر حياتي. أعِدُ بهذا. مَن أعِدُ؟ لا أعلم". وهكذا يكتشف في النهاية بأنه فقد جنة الدنيا وعليه أن يستعيدها مرة أخرى، على الأقل في خياله.
صدرت النسخة العربية الأولى من هذه الرواية عن الدار المصرية للطباعة والترجمة والنشر في القاهرة بترجمة الدكتور عبد الله عبد العاطي النجار.