سلف ودين - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

سلف ودين

  نشر في 24 أكتوبر 2015 .


(1)

كان الظلام دامسا حتى أنه كان يسمع بوضوح صوت دقات قلبه المرتجفة ، وزاد من خوفه الأرضية الرطبة التى يجلس عليها والرائحة النتنة من حوله ، وأخذ يتسائل ما هذا المكان الغريب وما الذي أتى بى هنا ؟!

قطع أفكاره صوت أقدام ثقيلة قادمة تجاهه ثم صوت مزلاج بابه يفتح بيد قوية ، غشى الضوء عينيه فجأه فلم يشعر إلا وهو يجذب بعنف خارج زنزانته ليلقي فى الممر الخارجى تحت أقدام الرجال الملتحين الذين أخذوا يركلونه بأقدامهم بعنف شديد فى كل سنتيمتر فى جسده وهم يصرخون فيه بالسباب حتى شعر بأن روحه ستثب من فمه ، ثم جاء رجلين يجرجرونه من يديه حتى بلغوا به حبل مشنقه كئيب المنظر ، فما أن رأه حتى حاول أن يصرخ ولكن لدهشته لم يخرج من حنجرته صوتا وكأنه أبكم ، جذبه أحد الرجلين ليجبره على الوقوف ثم أدخل دائرة الحبل فى رأسه فما أن لمس الليف الخشن رقبته حتى تحررت صرخة من أعماقه - لااااااااااااا

أعتدل فجأه فى فراشه وصدره يعلو ويهبط اضطرابا وكأنه انتهى لتوه من سباق طويل وهو يتحسس رقبته ليتأكد أنه استيقظ من هذا الكابوس المقيت قبل أن يخرج زفرة قوية من فمه وقال محدثا نفسه

- وبعدين بقي فى الأرف بتاع كل يوم دا الواحد مبقاش يعرف ينام .

قام فدخل الحمام المرفق بغرفة نومه وخرج منه حليق الوجه ليجد الخادمه وقد وضعت له إفطاره على المائدة فجلس يتناوله وهو يقلب فى التابلت الخاص به قليلا قبل أن ينهض ويرتدى بذلته الباهظة الثمن وربطة عنقه الأنيقة ثم توجه للمرأب ليركب سيارته الحديثة من طراز جيب ويتوجه لمكان عمله وهو مازال يحاول طرد الكابوس من ذهنه .

(2)

دق هاتفه الجوال فنظر فى شاشته التى ارتسم عليها أسم " المقدم بهجت " فرفع الهاتف لأذنه قائلا فى وجوم :

- سعادة الباشا

جاءه الصوت الأجش - عامل ايه يا أحمد

- تمام يا باشا أؤمرنى

- ايه.. سمعتك امبارح فى البرنامج بتقول هتاخد أجازة .. أحنا فى وقت حرج أنت عارف ومحتاجينكوا كلكوا تشدوا حيلكو معانا مش وقت أجازات والكلام دا

- دول كام يوم بس هسافر برا عشان حاسس أن أعصابى تعبانه شويه ومش عارف أنام كويس

تردد قليلا ثم تابع : بصراحه كدا يا باشا انا حاسس أن ضميري بيأنبنى من أن فى ناس غلابه ملهاش ذنب بيتاخدوا فى الرجلين و ..

قاطعه المقدم مطقطقا :

- غلابه ايه بس يا أبو حميد دول كلهم ولاد **** وبعدين انت العشرة مليون اللى لسه داخلين حسابك إمبارح شبعوك ولا إيه !! قول لضميرك يريح كدا على جنب ومتزعلنيش منك أومال .. أجازات مفيش دلوقتى وانهاردا متنساش تظبطلنا العيال بتوع شبرا اللى اتفشخوا من يومين دول في الفيديو عشان ميجيش من وراهم وجع دماغ وحقوق انسان وزفت .. اتفقنا؟

تعلقت عيناه للحظه بالمرأة التى تقود السيارة بجانبه وتلوح له بحماس وهى مبتسمة قبل أن يلوح لها بدوره ويجيب في إقتضاب :

- تمام يا باشا متشيلش هم

(3)

بدأت الحاجه زينب ترى شموسا صغيرة أمام عينيها من وطأه الشمس الحارقة فاتجهت فى وهن نحو أمين الشرطة الجالس يدخن سيجارة رخيصة الثمن كريهه الرائحة :

- يابنى مش هتدخلونا بقي نشوف عيالنا إحنا واقفين من الفجر .. مش شفتوا التصاريح؟!

بنفاذ صبر أجاب- لسه يا ست مجالناش أوامر ندخلكوا مش كل شوية تسألوا بقي

مدت يدها اليه بلفافه قائله فى استعطاف :

- انا بس عايزة ادخلوا الأكل دا وأطمن عليه لو عشر دقايق بس

نظر للفافة ثم قال لها بتنطع :

- طب شوفينى بحاجة وأنا أدخلها ليه

أخرجت الحاجه زينب بيد مرتعشة عشرون جنيها وضعتها فى يده فاستلم منها اللفافه ودلف من بوابة مركز الشرطة ليسلمها للعسكرى الواقف أمام مبنى الزنازين :

- وصل اللفه دى لعطية بتاع شبرا دا

- سيبك من ** أمه .. المصلحة دى بتاعتى

- خلاص يا روح أمك بس السجاير اللى جوا بالنص

بعد مرور ثلاث ساعات خرج من يخبر أهالى المحتجزين بأنهم لن يسمح لهم بالدخول ويصرفهم في غلظة وصلف وسط نحيبهم وتحسرهم من ألم الإنتظار بلا طائل

(4)

لكزتها أمها بكوعها وهى تقول :

- هاتى البرنامج بتاعى يا بت زمانه بدأ

- يا ماما نفسي أفهم بتستحملى تتفرجى على الهجايص اللى بتتقال دى اذاى

- اتلهى انتى بس ايش فهمك .. مش أحسن من القنوات اللى بتتفرجى عليها وتجيب مناظر تقطع القلب .. اللى بيتسحل واللى بيتقتل ، دا انا لولا بتفرج على الاستاذ أحمد كنت صدقت القنوات بتاعتك دى أنما لما بكتشف منه أنهم خونه وعايزين يخربوا البلد بحس أن البلد بخير كدا وضميري بيرتاح

تحول الفتاة القناة وهى تغمغم معترضة بكلام غير مسموع

(5)

دلفت الحاجه زينب لمنزلها تجر قدميها جرا لتجد شاشة التلفاز التى نست غلقه تعرض المذيع الشهير حليق الوجه ذو ربطة العنق الأنيقة وهو يصيح فى برنامجه

- الداخلية كتر خيرها أنها مديتش أوامر لرجالتها يقتلوا العيال المخربين دول .. دول ارهابيين الأخوان مسلطينهم .. انهاردا الناس زعلانه عشان بيسحلوا الارهابين دول !! .. أنا بس عايز أعرفكوا أن الشرطة مسكت العيال دى قبل ما يزرعوا قنابل شديييدة التفجير كانت هتولع شبرا كلها .. انا بوجه رساله للشرطة وأنا عارف أن الشعب المصرى الواعى كله معايا " متقبضوش عليهم .. احنا عايزينهم جثث .. خلى البلد تنضف بقي "

حفرت دمعة ساخنة طريقها على وجه الحاجه زينب البائس وهى ترفع يدها للسماء

- حسبى الله ونعم الوكيل .. الهى ما تشوف راحه فى نومتك يا بعيد  



   نشر في 24 أكتوبر 2015 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !


مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا