الحورية
بقلم : فريد أبوسرايا
هرع أهل القرية إلى شاطئ البحر ليستجلوا صحة الخبر القائل بأن إحدى الحوريات قد غرقت وهي ملقاة على شاطئ البحر .
كان الرجال أول الواصلين ، وقد وقفوا على رمال الشاطئ فاغرين أفواههم من رهبة المنظر وجلال الموقف ، وبعد هنيهة جاءت النساء والأطفال ، وعندما رأى الأطفال الحورية مسجاة على رمال الشاطئ ، تقدموا إليها وأيديهم ممدودة إلى الأمام ليلمسوا جسمها ، بيد أن النساء نهرنهم وجذبنهم إلى الخلف .
أستولى على النساء شعور غريب وطاغي بالخوف من هذا المخلوق الجميل الذي زين شاطئ قريتهن ، وبينما كن في ترددهن يقدمن رجلا ويؤخرن أخرى ، تساءل الرجال ، كيف تحجر قلب البحر ليقدم على الإساءة إلى هذه الحورية ؟
بينما كان أهل القرية في حيرتهم يترددون ، أكفهرت السماء فجأة ، وتلبدت بالغيوم ، وتوارت الشمس وراء المزن ، ولم يعد هناك عائقاً أمام المطر من الهطول . نزل الحيا ، وتساقطت قطراته على جسم الحورية ، وفي غضون ذلك كانت الأمواج تحاول وهي في رمقها الأخير أن تغافل الجميع لتصل إلى الحورية لتسحبها إلى البحر وتتصالح معها .
يبدو أن السماء لم ترض بأن يكون البحر هو صاحب القرار فيما يخص الحورية ، وهي بكل تأكيد لم تكن راضية عن فعلته الرهيبة بحقها
في الوقت الذي حزمت فيه السماء أمرها ، ألمت بالبحر صحوة ضمير ، وأراد أن يصحح الخطأ الذي أرتكبه ، فتظلفرت قطرات الحيا من السماء مع أمواج البحر على الشاطئ على تقديم بلسم شافي للحورية فأنتفض جسمها المتعب ومدت يديها إلى المطر ، وتلمست القطرات المتساقطة فأحست براحة وطمأنينة وأغتسلت بالمطر لتزيل الملح العالق بجسدها وبخصلات شعرها ، ثم جمعت قليلاً من ماء المطر في كفيها وتذوقته ، فوجدته عذباً ، فقررت أن تنفطم نهائيا عن ماء البحر الأجاج الذي عاشت به ، وفيه طوال حياتها .
أستغرب أهل القرية من رؤية الحورية وهي ترتشف ماء المطر وتستعذبه وأزداد استغرابهم عندما رأوها تمسك بخيوط المطر المنهمر ، وكما يحدث في خدعة الحبل الهندية ، وبدفعة قوية من ذيلها العريض ، أخذت تتسلق خيوط المطر ، وتصعد إلى الأعالي .
لم تغفر الحورية للبحر هفوته ، وقررت العيش في المزن ، فمهد لها المطر الطريق إلى هناك . منذ ذلك الحين ، وكلما أعتزمت السماء سقاية أرض القرية ونواحيها ، تقول الأمهات لأبناءهن : أنظروا جيداً إلى المزن لعلكم تحظون برؤية الحورية التي أنفطمت عن ماء البحر .
فريد أبو سرايا . الأحد ، 3 يناير 2016