بضعة أيامٍ في الحظر - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

بضعة أيامٍ في الحظر

  نشر في 04 أبريل 2020 .

لم تكن تلك الإجازة الإجبارية لمدة أسبوع - التي أعطتها لنا شركتي التي أعمل بها– تخطر على بال أحدٍ ولم يكن يتوقعها عاملٌ، لولا ذلك القلق الذي بدأ يدب في أوصال العالم أجمع نتيجة ذلك الوباء - المسمى علميًا بـ "كوفيد-19" والمسمى تجاريًا بـ "كورونا - والذي يجتاح العالم في سرعةٍ مخيفةٍ وينتقل من بلدٍ لآخر في رعبٍ يليق بأعتى أفلام السنيما الأمريكية.

أنهيتُ المستوى الأخير من تلك اللعبة التي قمت بتحميلها بداية هذا الأسبوع على هاتفي، فرُحت أتصفح فيسبوك في تململٍ وإحباطٍ سببهما انتشار الأخبار السيئة داخل مصر وخارجها نتيجة زيادة معدلات الحالات المصابة ومعدلات الوفاة في مصر وأغلب دول العالم، خاصةً في الدول المتقدمة مثل: الولايات المتحدة وألمانيا وإيطاليا وفرنسا والصين!!.

ولمّا لم أجد ما أفعله، قررت أن أتوجه إلى الثلاجة – على سبيل كسر الملل – لالتقاط ثمرة فاكهةٍ من هذا الرف، وقطعةٍ من صينية الحلوى تلك، وملعقةٍ من تلك العلبة، وقضمةٍ من ذلك الرغيف.. بعدها صنعت لنفسي فنجانًا من القهوة أتبعته بكوبٍ من النسكافيه.. وبعد انتهائي من هذه النزوات السريعة – التي أصبحتْ عاداتٍ مكتسبةٍ في الأيام الأخيرة – أمسكتُ بريموت التلفاز متنقلاً بين القنوات السخيفة إلى أن اسقر بي المقام على مشاهدة فيلم عربي أكثر سخافة على سبيل استنزاف الوقت.

رن جرس الباب، فقمت متعجبًا من ذلك الزائر المريب الذي يطرق بابي في تلك الأوقات التي لا يتزاور فيها أحد.. فتحت الباب فلم أجد أحدًا في الخارج.. لا بد أنه أحد الشياطين الصغار من أبناء الجيران!.. وقبل أن أطلق سبةً بذيئةً تذكرت أنني كنت أقوم بنفس الفعلة وأنا طفلٌ صغيرٌ، فأطبقت فمي في صمتٍ وعدت أدراجي كي أتابع أحداث الفيلم العربي السخيف إياه.

***********

مرَّ المصريون في العقود الأخيرة بأكثر من حالة "حظر تجول "، سواءً كان هذا الحظر اختياريًا فرضه الناس على أنفسهم دون تدخلٍ حكومي: كما حدث بعد كارثة زلزال 12 أكتوبر 1992. أو سواءً كان الحظر إجباريًا عن طريق السلطة: كالحظر الذي أعقب حريق القاهرة في 26 يناير 1952، وكالحظر الذي تلى أحداث الشغب في 18 و 19 يناير 1977 بعد قرارات الرئيس الأسبق أنور السادات برفع أسعار بعض السلع الأساسية، وكالحظر الذي فُرِض بعد اغتيال السادات نفسه في 6 أكتوبر 1981، وكالحظر الذي أعقب أحداث الأمن المركزي في 25 فبراير 1986، وكسلسلة قرارات حظر التجول التي تلت أحداث جمعة الغضب في 28 يناير 2011، وصولاً إلى حظر التجول الأخير الذي فرضته الحكومة في 24 مارس 2020 كإجراءٍ احترازي لمواجهة تفشي وباء الكورونا الذي بدأ يغزو العالم منذ 17 نوفمبر 2019 عندما ظهرت أول حالة في مدينة ووهان الصينية.

كان قد سبق الحظر الأخير بعض القرارات الحكومية التمهيدية المتدرجة، مثل: إغلاق المقاهي .. إغلاق صالات الأفراح وقاعات المناسبات .. تعليق الدراسة بالمدارس والجامعات .. تعليق الدوري العام .. منع جميع الأنشطة الرياضية .. إغلاق دور العبادة – وامصيبتاه - ومنع الصلاة فيها !!

لم تكن هذه أول مرةٍ إذن أجلس فيها في المنزل استجابةً لحظرٍ ما، لكنها كانت – بكل تأكيد – أكثرهم قلقًا ورعبًا وتخوفًا بسبب ذلك المجهول غير المرئي الذي ينتظر الناس بالخارج ليلتهمهم فور خروجهم .. كم أشتاق إلى زيارة أبي وأمي!.

*********

كانت تسليتي الوحيدة تتمثل في مشاهدة مباريات كرة القدم – وخاصةً مباريات الدوري الإنجليزي - ولكن مع انتشار الوباء فقد تم تعليق كافة مسابقات كرة القدم على وجه البسيطة .. ما جعلني ألجأ مضطرًا إلى مشاهدة الأفلام السنيمائية كبديلٍ ..فقمت - على سبيل مواكبة الحدث – بتحميل بعض الأفلام التي تحكي قصتها عن ذلك الفيروس المخيف الذي ينتشر انتشار النار في الهشيم حتى يكاد يقضي على البشرية كلها مثل: Flu و Contagion.

وبعد أن انتهيت من مشاهدتها جميعًا قررت - على سبيل التفاؤل – أن أشاهد سلسلةً أخرى من الأفلام التي تحكي عن نهاية العالم مثل: Edge of Tomorrow و Twelve Monkeys و Bird Box و 2012 و The Day the Earth Stood Still.

ثم – على سبيل التغيير - بدأت في متابعة حلقات مسلسل The Last Ship الذي تدور أحداثه عن مدمرة بحرية أمريكية يتم إرسالها في مهمة بحثية إلى القطب الشمالي في الوقت الذي يتعرض له العالم لوباءٍ مجهول يقضي على غالبية سكانه.

*********

يجري أبنائي – نور وعائشة وأحمد - من حولي طول الوقت يلعبون ويلهون فرحين بجلوسي غير المعتاد معهم بالمنزل، غير مدركين لذلك البعبع الذي ينتظر الناس بالخارج .. لا يخلو الأمر من زنٍ متواصلٍ وصراخٍ غير مبررٍ - خاصةً من ذلك الشيطان الصغير الذي لم يتخطَّ عامه الثاني بعد – مما أصابني بانهيارٍ عصبيٍّ مفاجئ، ما اضطرني آسفًا إلى ضربه لأول مرةٍ في حياتي، على الرغم أن الضرب ليس من أساليبي المفضلة في تربية الأبناء .. يبدو أن هذه الإجازة ستأتي بالوبال على جهازي العصبي المشهور عنه الهدوء الدائم.

دخلت غرفتي وأغلقتها عليَّ خوفًا من نفسي على أبنائي .. أمسكتُ بكتابٍ ورحت أتنقل بين صفحاته – على سبيل تغيير المزاج – و..... ولكن ما هذا الصوت بالخارج؟!

سمعت صوت خبطٍ شديدٍ مستمرٍ يأتي من الخارج .. على ما يبدو أنه يأتي من الشقة التي تعلو شقتي .. فتحتُ شباك غرفتي ونظرت لأعلى، فوجدت ضلفتي إحدى النوافذ بشقة جاري مفتوحتين على مصراعيهما يلعب بهما الهواء كيفما شاء .. صعدت إلى شقة جاري وضغطت جرس الباب – بواسطة منديلٍ معقمٍ طبقًا لإرشادات السلامة – فلم يستجب أحد .. طرقت الباب بيدي أكثر من مرة – ناسيًا استخدام المنديل – فلم يستجب أحد .. اتصلت بصاحب العقار الذي استأجرت منه شقتي مستفسرًا عن ذلك المستأجر الجديد الذي ترك نافذته مفتوحةً، فأخبرني بأن ذلك المستأجر الجديد على ما يبدو قد سافر هذا الصباح ناسيًا أن يغلق هذه النافذة!!.. يالليلة التي لا يبدو أنها ستنتهي!!.

عدتُ من جديدٍ إلى كتابي محاولاً تجاهل ذلك الخبط الذي تسبب في زيادة توتري، لكنني لم أستطع التركيز في القراءة .. أغلقت أنوار الغرفة وشددت غطاء السرير على جسمي محاولاً النوم .. لكن هيهات أن يأتي النوم مع هذا الخبط الذي يبدو كصوت قرع الطبول في أذنيَ.. الهدوء الذي يسود الشارع بالخارج نتيجة الحظر زاد من بشاعة وضخامة صوت الخبط الذي لا ينقطع ليأتي على البقية الباقية من أعصابي التالفة.

طار النوم من عيني وبدأ اليوم الجديد .. أمسكت هاتفي وطالعت آخر الإحصائيات .. وتيرة وسرعة عدّاد الأرقام في ازديادٍ مرعبٍ .. متى ينتهي هذا الكابوس؟!

أذان الفجر يأتي من مسجدٍ قريبٍ .. صوت المؤذن يأتي باكيًا وهو يأمر الناس بأن تصلي في رحالها .. قمت فتوضأت وصليت داعيًا الله أن يخلصنا من هذا البلاء العظيم، وألا يطيل علينا أيام الحظر المملة، وأن يرجع الناس كلهم إلى أعمالهم وحياتهم خارج البيت .. ولم أنسَ في نهاية دعائي أن أدعو على جاري الذي نسي نافذة شقته مفتوحةً في هذه الليلة الليلاء.

مرسى مطروح

السبت 4 أبريل 2020 م – الموافق 11 شعبان 1441 هـ


  • 17

   نشر في 04 أبريل 2020 .

التعليقات

رائع
1
Bosy منذ 4 سنة
رائع
2
سلام يا اسلام ، اللــــــــه يكون في عون الجميع : ولكن هل تلاحظ بأننا نأمل بأن يرحمنا الله برفع الوباء للعودة الى ما كنا عليه ، وليس الى العودة الى الافضل .
2
كل الأخبار المتناقلة سلبية ومفزعة..


استمعوا لهذه الأخبار الإيجابية...

2

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا