لقاء مع إبليس - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

لقاء مع إبليس

الجزء الأول

  نشر في 23 نونبر 2019 .

وبعد انقضاء ساعات العمل الطويلة ، انطلقت فى طريقى إلى ذلك المقهى الذى اعتدت الجلوس فيه متى ما ألمَّت بى خاطرة ، أو راودتنى فكرة .

وكعادتها أيام الشتاء بدأت تضطرب حركة الرياح وكأنها قلقة يساورها خطب ما ، وما كان من السماء إلا أنها أفصحت سريعا عن ذلك الخطب ، وشرعت تضرب الأرض بوابل من الأمطار أصاب كل شئ : الطرقات..الشوارع..شرفات المنازل ..البضائع التى كان يفترشها أصحابها على الأرصفة ، وحتى واجهات المحلات الزجاجية التى ظهرت فى أبهى صورها عندما لطمتها حبات المطر فتلألأت بفعل الضوء المنبعث من الداخل وأعمدة الإنارة فى الخارج .

هذا وقد سادت حركة من الهرج والمرج مصحوبة أحيانا بإنفعالات متناقضة فى محتواها ، تزيد وتيرتها حتى تقترب من حالة السخط عند التجار الذين يحاولون إنقاذ بضائعهم ، لتقل حدتها عند المارة الذين يحاولون الإحتماء من المطر وسط إبتسامات ترتسم على وجوههم تتحول أحياناً إلى ضحكات مسموعة تصحبها بعض العبارات اللطيفة ، وبذكر هذا التباين فقد سادت فى النهاية حالة من المرح تتحدى ذلك الإضطراب الكامن فى الرياح وحركتها والأمطار وحدتها وبرودة الجو وقسوتها .

مواصلاً السير سمعت صوتاً من بعيد ،وكأنه يخرج من بوق ليعلن عن قدوم شئ ما يريد أن يكون أحد عناصر هذا المشهد العبقرى .

فيظهر القطار ليمثل آخر لقطات المشهد ، قبل أن أرى فى الأفق شبحا يُلًَّوح لى عند ذلك المقهى المقصود ...

ثم سمعت صوتا مألوفاً ينادينى ، عرفت أنه لصديقى (أحمد) الذى يترقب وصولى أمام ذلك المقهى .

وعلى بعد خطوة واحدة من المقهى حيث يقف ( أحمد) ، تصافحنا وتبادلنا التحايا والعناق ، ثم بادرنى سائلا :

أحمد : ما دعوتنى لهذا المقهى إلا وقد كان أمر قد ألم بك ، فياترى ما حدث لك هذه المرة ؟

أنا: وفيم العجلة ، دعنا نجلس نحتسى قهوتنا المفضلة ، ثم نتحدث .

وفى أحد أركان القهوة جلسنا ، وقد قُدّمت لنا القهوة .. أمسكت فنجانى ، وقد زاغ بصرى نحو المشاهد المتفرقة التى تحيط بالمقهى : السيارات الفارهة وألوانها الزاهية ..الباعة الذين تعلو أصواتهم يتغنون بجودة بضائعهم .. الزبائن الذين سرعان ما استجابوا لنداء الباعة وأقبلوا على شراء تلك البضائع وكأن الكلمات التى تغنى بها الباعة كانت لها تأثير السحر ، أو أنهم تلقوا تدريبات مكثفة فى أحد شركات الدعايا والإعلان .. وفى الزاوية الأخرى ذلك الشاب الذى يمسك بأيدى شيخ ضرير يعبر به للجانب الآخر .. ثم ماسح الأحذية الذى يلهث وراء الأقدام ، يراقبها لعله يفوز بأحد أحذيتها وقد أعد العدة ليمارس مهنته التى يتكسب منها قوت يومه..

وبينما أنا أتأمل ذلك المنظر ، وأراقب تلك المشاهد إذ بيد تربت على كتفى تزامنت مع صوت وقع على أذنى يقول : ألهذا دعوتنى ؟؟ مذ جلسنا وعينيك تراقب الشارع ولسانك لم ينطق بكلمة واحدة ؟؟ ولماذا إذا لم تأت بريشتك ، لتصور لنا ذلك المنظر الخلاب ؟!(قالها أحمد فى استهجان وحالة يغلب عليها السخط)

أنا : فلتغضب ،ولكن ماذا عسانى أقول ، وكيف أبدأ وقد قضيت أسبوعا كاد يصيب عقلى بالجنون ، لم أعد أعلم هل أعيش فى حلم أم يقظة ؟!!

أحمد (فى دهشة) : لماذا ؟ كيف كان أسبوعك ؟ وما الذى قد يصيب عقلك بالجنون ؟ !!

أنا : على مدار الأسبوع الماضى ، كلما خلدت للنوم رأيت أشياءا كأنها الحقيقة فى وضح النهار ، حتى إذا أفقت من نومى لم أعد أستطع التمييز بين يقظتى ونومى ؟ هل ما دار خلال نومى كان حقيقة أم أنه أضغاث أحلام ....

أحمد : على رسلك ،وحاول أن تشرح لى ما يجرى فقد أصبح عقلى مشوشا لا يسطع أن يتبين كلماتك .

- أشعر وكأن حياتى انقلبت رأسا على عقب ، لم أعد أميز بين يقظتى ونومى ، تمر بى بعض الأحداث ثم أنا لا أدرى إن كانت حدثت فى الواقع أم أنها مجرد أضغاث أحلام .

منذ أيام وأنا مستلقيا على سريرى فى غرفتى أغط فى نوم عميق ، لا أدرى ما الذى جعلنى أفيق من نومى فجأة ، ثم انتابنى شعور بالقلق ؛ وكأنى بأحدهم يراقبنى من قريب ، أشعر به ، لكننى لم أره ، خرجت من الغرفة وفى نفسى حيرة ، وعقلى يتساءل ، وعلامات القلق والتوتر أحس بها تنبع من داخلى يعلو صوتهاليستقر فى أعماقى ، ويتردد صداها ليمر على عقلى فتزيده حيرة عندما يقف عاجزا عن تفسير ما يجرى .

ومرورا بالبهو انطلقت إلى الشرفة ، لعل هذا الهواء البارد الممتزج بسكون الليل ، أن يهدأ من روعى ، ويرفع عنى حالة من القلق والحيرة تصاعدت وتيرتها .

وبعد حوار دام لساعة كاملة ، مع تلك النسائم وسط هذا السكون المهيب ، يبدو أن الهدوء الذى خيم على الليل بدأ يشق طريقه إلى نفسى ، وبدأت أشعر بسكينة ، قررت على إثرها أن أعود أدراجى إلى غرفتى ، لعلى أهنأ من جديد بقسط من النوم بعد عمل يوم طويل وشاق .

وفى طريقى للغرفة ، وأمام عينى رأيت أنوار المصابيح الساطعة أخذت فى الذبول حتى انطفئت تماما ليملئ الظلام أرجاء المكان ، ولتزداد نوبات القلق بداخلى ، ولكن سرعان ما أضاءت المصابيح من جديد ، لأتمالك نفسى مقنعا إياها أن ما حدث هو مجرد حادث نتيجة انقطاع تيار الكهرباء .

وكدت أن أصل باب غرفتى لتكرر نفس الأحداث برمتها وتنطفئ المصابيح ، وقتها خفق قلبى ، وارتعدت أوصالى حتى أن قدمى لم تعد بوسعها أن تحملنى ، واصطكت أسنانى ، وملأ قلبى الرعب ، وبت فى انتظار مفاجآت غير سارة ، تسمرت قدماى ولم أعد استطع أن أنقلها ، غير أننى حاولت أن أتمالك ثانية ، لتعود المصابيح فتضئ من جديد ، وللمرة الثانية شرعت فى إقناع نفسى أن كل ماجرى كان مجرد حادث .

أغلقت الباب ، واستدرت بوجهى لأسقط طريحا على الأرض حينما رأيت ما كان ينتظرنى على سريرى .

ثم بدت أمام ناظرى ألوان وأطياف تتداخل فيما بينها ، وأحسست كأن نبضات عنيفة تتضارب داخل رأسى تريد أن تفتك به ، أمسكت برأسى محاولا التخلص من هذا الألم الفظيع ، وحاولت أن أفتح عيناى وأدقق النظر لعلى أستطيع أن أكون صورة واضحة الملامح من شأنها أن تشرح ما يجرى ، وأين أنا ولماذا أنا ملقى هكذا على الأرض ومنذ متى وأنا على هذه الحالة .

حاولت أن أستجمع قواى لأنهض وأكتشف بنفسى مايجرى .

فجأة تدفقت الأحداث فى ذاكرتى ، وادركت أننى كنت فى حالة إغماء تبعت حالة من الرعب الشديد كنت قد مررت بها ، وها أنا لتوى قد أفقت من هذه الحالة .

وبدأ الرعب يتسلل لقلبى من جديد ، وعلى صوت قهقهات صاخبة تحولت أنظارى لجسد ملقى على سريرى ، فكاد قلبى أن يتوقف وتجمدت الدماء فى عروقى ، وأصابتنى حالة من الفزع والذعر ، وبدأت أهزى وتصبب العرق منى وكأن حمى قد أصابتنى أو نوبة من الهيستيريا تمكنت منى .

أحمد : وماذا كان هذا ؟؟

- كانت إمرأة مستلقية على سريرى ، كاد صوت ضحكاتها أن يصم أذناى ، ثم اعتدلت وأخذت تصفف شعرها ذو السواد القاتم الذى اصطبغت به الأجواء فى الغرفة .

ثم حدث أمر غريب ، لم أستطع تفسيره حتى الآن ، وهذا ما دفعنى لإستدعائك .

أحمد : كل الأحداث الفائتة لم تكن غريبة بالنسبة لك ، ثم هذا الأمر وجدته غريبا ، يبدو أن الأمر جلل (قالها وعلامات التعجب ترتسم على وجهه ، بصوت لا يخلو من السخرية )

- بعيدا عن نظرات السخرية التى ترمقنى بها ، فقد استدعيتك بالفعل خصيصا لهذا الأمر .

أحمد (ضاحكا) : أنا فقط حاولت التخفيف من حدة تلك الأجواء المشحونة بالأحداث المخيفة ، ولكن ما هذا الأمر الجلل الذى لم تستطع تحمله أو تفسيره .

- انها رسالة .

أحمد : أى رسالة ؟ وممن ؟

- من إبليس .

أحمد : طويت كل هذه المسافة وجئتك لتسخر منى فى النهاية .

- ولماذا أسخر منك ، وعلى أى حال بنفس طريقة استهجانك هذه ، قابلت تلك الجملة عندما قالت المرأة أنها قد أتتنى برسالة من إبليس يدعونى فيها لزيارته .

...





   نشر في 23 نونبر 2019 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا