(
- من في الباب في هذا الوقت المتأخر؟
- أنا ساعي البريد... عذراً سيد سميث، ولكن وصلتك هذه البرقية من الشرق.
- حسناً.. شكرا لك.
استلم السيد سميث الرسالة، ثمَّ أعدَّ كوبًا من القهوة وأخرج سيجارته من جيبه، جلس على أريكته الخضراء وفتح الرسالة بكل هدوء.
عمت مساءً
أظن أنَّ هذه الرسالة وصلتك في ساعة متأخرة من العتاب..
في البدء أعتذر سلفًا على المناخ الأدبي الذي سيجتاحك الآن..
أكتب لك لأنني... أريد استعادة عافيتي الأدبية.
لا أدري... لا أدري حقاً لمَ تنتابني رغبة جارفة في الكتابة حين أذكرك.. ربما لأن كلامنا لم ينته وما زال هناك بقية ...
سأعترف لك... كنت أتمنى شرب بواقي القهوة التي بقيت في فنجانك مع أنها خالية من السكر وأنا أحب السكر .. ولكن رذاذ أنفاسك الذي ترسب في القهوة أظنه يغلب على طعم المرار، لم أكن أجرأ على فعل ذلك..كان الحياء يمنعني.. وما كان يواسيني هو شربك لبواقي فنجان قهوتي.. في هذه اللحظة تأكدت أن رغبتنا مشتركة، ولكني أظن أن هذه الرشفات لم تزدك إلا تعقيداً، مع أنهم يقولون إنَّ القهوة تبسط كل معقد، وتجلب أحاديث طويلة يملؤها الشرود، ولكنك كنت تعقد الأحاديث في كل مرة، مع أن ملامحك دائماً محتفظة بهدوئها، ولكن سمحت لنفسي بالتغلغل في أعماق فكرك.
بالمناسبة قد أصبت بعدوى التناقض منك.
لا ..لا تفكر بي بطريقة ساذجة لم أرسل لك هذه البرقية لأعترف لك بموضوع القهوة بل أرسلتها لأعترف لك بأمر آخر..
عزيزي لم أحتج يوماً إلى الغفران كما أحتاجه الآن..
لعلي أنجو من ملامح الوهم وهو يحفر خيالي بشغفه
ضاق صدري بهذه المسافة الضائعة بيننا
بالمناسبة لاحظت أن المسافة الضائعة بيننا خائفة
أخبرها ألا تخاف فعواصف قلبي ساخنة
كلما اقترب منها البرود تحبسه أضلعي بين ثناياها
ويُلبسني وشاح القلق.. ولكن لا بأس المهم هي... مع أن ذلك يزيد من دخان الغيرة في قلبي
وأخبرها أيضاً أن تبدل شوك الخوف الذي تبتلعه باستمرار لفراشات، وتعلقها على جدار قلبها لعلها تمنحها الدفء بعض الوقت.
وهناك اعتراف صغير آخر...
عندما كنت أراك كنت أتمنى أن أبدا سلامي بك بالاحتضان لسببين
الأول: أن أسحب الطاقة السلبية منك
الثاني: لتعلق رائحتك بملابسي
واعتراف آخر... لا بل هو اعتذار....نعم اعتذار
اعتذر عن كلماتي التي كانت تسيء إليك.. لم انتبه إلى سلوكي الذي كان ينافي اللباقة.. صدقني لا امتلك وجهًا دبلوماسيًّا ماكرًا.. ولكني امتلكت يأسًا تكاثف في الأفق وطوفانًا من الغيرة جرفني وشل قدرة كرامتي على التنفس.. وكل ذلك كان بسببك.
لأنك رحلت عني دون وداع، ولم تكتف بذلك بل ابتلعت قلبي أيضاً، ليت قلبي صُنع من الكريستال لكنت تشردقت به.
كما أنني اكتشفت أن حزني راقٍ حقاً... ما أرقاه وما أحنَّه من شعور، يتدفق لقلبي بكل قوته حين أكون وحدي كي لا يسبب لي الإحراج أمام الآخرين لأنَّه يعلم أن مجيئه يفتح مجرى الدمع، ثم تتسلسل الأنهار المالحة بين أهداب عيني.. في بعض الأوقات دموعي تعاتبني بسبب تلوثها بخطوط الهم السوداء، ولكن ما ذنبي أنا إذا كانت أهدابي لا تقدر على حبس دموعي وامساكها جيداً، كأنها غربال أي والله؟!
ملاحظة: حاولت قدر المستطاع أن تخلو رسالتي من الرسمية كي لا أجرح مشاعرك.
وبالمناسبة لم أذكر أسمي على غلاف الرسالة لأنني أجزم أنك لم تتعرف على كاتبة في حياتك غيري.
دمت بخير وشوق.
بقلمي
-
سهام السايحمؤلفة كتاب كأنه سديم وكتاب عمر مؤجل