........ لا اذكر جيدا  اي يوم كان ذلك ولا اذكر تاريخه كما الكثير من الايام والتواريخ ، وكأن قنبلة انفجرت في رأسي فخلفت ورائها فوضى عارمة واعادت ترتيب الايام بطريقة عشوائية عبثية ، اذكر فقط دقات ناقوس ساعة بيت جدي القديمة الخمس التي بددت هدوء ذلك الفجر الصامت المشبع برائحة الدم والبارود .

كلنا كنا في حالة هلع من مجهول لانعلم عواقبه لان من خرجوا قبلنا قبل ايام لم نعلم ان كانوا وصلو ام لا ، حقا لانعلم ان كنا سنردى في احد الشوارع قتلى برصاص قناص او بقذيقة مجهولة المصدر لكن لامجال لنا سوى الهروب قبل شروق الشمس الذي يحمل الويلات في طياته..

لم احمل من اشياء سوى ما استر به جسدي تركت كل شيء خلفي ، سوى حقيبة ذكريات مهترئة حملتها في رأسي ، حملت فيها المدينة كلها بشوارعها وحاراتها وصخبها  والمقاهي والبارات واسواقها المكتضة واناسها من عرفت ومن لم اعرف ، حملت الجسر المعلق بكل تروٍ كي لاتقطع اسلاكه فيهوي في رأسي ويفقدني صوابي ، نزعت تمثال الفراتي من مكانه ولففته بقطعة حرير وخبأته جيدا فيها كي لا يكسر ورميت باقي تماثيل المدينة في القمامة ، وضعت المساجد والتكايا واسندتها بالكنائس ليدعم بعضها بعضا واحطتها بجميع كتب المكتبات المغبرة واشجار الحور والنخيل ، تركت المقابر والموتى في اماكنهم ولم ازعجهم بساذجتي في اخذ الاشياء بعيدا عن اماكنها المعتادة فالموتى  ليسوا بحاجة لمؤى اخر ، فتحت الارض راحة اخرى لايعلمها من فوقها .

 كل شيء في مكانه لم انسى شيء كل صخب المدينة في راسي وحركة السيارات والناس والكثير من الاشياء التي راحت تجوب تلافيف دماغي وتطرق جمجمتي من جميع الاتجاهات   تذوقت طعم المها وتعبها  مراً في حلقي واغلقت الحقيبة جيدا ، تنشقت اكبر قدر ممكن من هوائها حتى كادت رئتاي ان تنفجر ، شربت الفرات دفعة واحدة ومضيت.