الكلمات تحمل رسائلًا وقصصًا خلفها وإن نُطقَت شفهيًا، كتابة الرسائل تساهم في حفظ تلك القصص وتخليدها للتاريخ، الرسائل المكتوبة التي يسكب فيها الكاتب حبه أو غضبه أو حتى تعبيره عن رأيه في يومه يساعد في كشف شخصيته وكيف كان يقضي أيام حياته، يجد هذا النوع من الأدب قبولًا بين القراء، فتبادل الخطابات تنال شهرة واسعة.
فن الرسائل ازدهر قديمًا منذ القرن الثالث والرابع هجريًا عند العرب، وكانت الرسائل وسيلة تظهر موهبة الكاتب وقوة تعبيراته وأساليبه.
تراجع أدب الرسائل في هذا العصر حيث تم اعتماد التطبيقات على تبادل الرسائل، فلم يصبح للرسائل قيمتها الجمالية والأدبية المعروفة، إلا أن هناك من يستخدم التكنولوجيا الحديثة في تبادل الرسائل وحفظها، وتجمعات الكُتّاب والقراء تهتم بطرح القضايا والأفكار.
١-فريدا كاهلو
من الرسائل التي ذاع صيتها رسالة انفصال الرسامة الشهيرة فريدا كاهلو عن زوجها، فريدا رسامة مكسيكية عانت طوال طفولتها من شلل أصابها وشكل عائقًا لها.
"لا أخشي الألم وأنت تعلم ذلِك جيدًا، فالألم كما تعلم مُقترن بي دائمًا، وعلى الرغم من أعترافي بأنني عانيت كثيرًا عندما خُنتني، في كل مرة فعلت فيها ذلك، وليس فقط عندما خنتني مع أختي ولكن مع العديد من النساء الأخريات. أسأل نفسي كيف انخدعوا بك؟ "
حين تعرضت فريدا لحادث جعلها تتمدد على ظهرها دون حراك لمدة سنة كاملة وجدت متعتها في الرسم، كان أداتها لتخفيف معاناتها ورغم ذلك لم تبتعد في لوحاتها عن الواقع الأليم، بل كانت تتحدث عنه وعن القدر .
"السبب في كتابتي لك ليس مجرد اتهامي لك بشئ، ولكنني أكتب إليك بسبب بتر قدمي (شئ لعين، حصلت قدمي على ما تريد بالفعل في النهاية). لقد أخبرتك في بداية علاقتنا بأنني شخص غير كامل، ولكن لماذا بحق الجحيم، يجب أن يعرف الجميع عن ذلك، والأن سيرى الجميع عجزي اخيرًا".
تزوجت فريدا عام ١٩٢٩ من الرسام المكسيكي دييغو ريفيرا، لم تكن علاقتهما مريحة، فكان دييغو يخونها مع سيدات كثيرات وانتهى به الأمر لخيانتها مع أختها، وما زاد من صعوبة علاقتهما هو طباع فريدا الحادة وازدواجية ميولها الجنسية وهو ما ذُكِر عنها، أرسلت فريدا لزوجها خطاب تخبره فيها أن أمرهما قد انتهى وأنها لا تريده أن يبحث عنها مجددًا، واشتهر خطابها حتى أصبح من اشهر خطابات الانفصال
"كُن سعيدًا ولا تبحث عني مرّة أخرى، لا أُريدك أن تسمع أي أخبار عني ولا أُريد أن أسمع عنك أي شيء، إذا كان هناك أي شيء سأستمتع به قبل موتي، هو عدم رؤية وجهك اللعين المقيت وهو يتجوّل داخل حديقتي.
هذا كل شيء، الآن فقط يمكنني أن أقوم بالبتر في سلام، وداعًا من شخص مجنون يُحبّك بشدّة".
٢-ڤينسنت فان جوخ
من الرسائل المتبادلة التي تحظى بشهرة واسعة حتى الآن هي رسائل فينسنت فان جوخ لأخيه ثيودر، البطل المجهول والداعم لفينسنت ومن ساهم في نشر فنه، كانت علاقة الأخوين تدل على على الاحترام بينهما، كان ثيو يدعم أخيه ماديًا ومعنويًا، وهو أول من قام بتشجيعه على الرسم، وكان فينسنت كثير الكتابة لأخيه، حين عملا معًا في مؤسسة جوبل وساي للفن (International art firm Goupil& Cie) بدأت الرسائل تتبادل فيما بينهما.
"أنا حقًا لا أمتلك أي أصدقاء سواك، وعندما أمرض انت دائمًا في أفكاري".
-من ڤينسنت لثيو
عام ١٨٨٨ لم تستقر أحوال فنسنت الصحية وهو الأمر الذي جعله يصاب بنوبات صرع، في إثرها قام بقطع أذنه أثناء الحلاقة، فبدأ العلاج في مستشفى للأمراض العقلية لمدة سنتين قبل وفاته.
عام ١٨٩٠ أطلق فنسنت على نفسه النار وتوفي بعدها بيومين، وهو ما ساء من حالة ثيو النفسية وبعدها تراجعت حالته الصحية، فتوفي بعد أخيه بستة أشهر، ودفنوا بجانب بعضهما في حقل القمح في أوفر، وجمّعت يوهانا زوجة ثيو رسائلهما في كتاب أسمته عزيزي ثيو.
"انتهى، كل شيء قد انتهى، أنا أشتاق له، كل شئ من حولي يذكرني به".
-ثيو إلى زوجته يوهانا
هناك رسالة عربية تنسب إلى فنسنت لم يقم بكتابتها، زعم البعض أنها قد تكون رسالة له مترجمة للعربية، لكنها من كتابة الكاتب السوري نبيل صالح، اشتهرت تلك الرسالة ببدايتها " عزيزي ثيو: إلي أين تمضي الحياة بي، ما الذي يصنعه العقل بنا؟ إنه يفقد الأشياء بهجتها ويقودنا نحو الكآبة"
كانت هذه الرسالة من كتابة الكاتب نبيل صالح الذي تخيل فيه المشهد الاخير من حياة فان جوخ وكيف يصفه لأخيه الأصغر الذي اعتاد مراستله، وتنتهي هذه الرسالة بالعبارة الشهيرة "وداعًا يا ثيو سأغادر نحو الربيع" لكنها ليست أكثر من خيال كاتب حاول رسم الأيام الأخيرة في حياة فان جوخ، ولا تنسب هذه الرسالة للرسائل الأصلية التي أُرسلَت لأخيه
٣-كافكا وميلينا
"كتابة الرسائل معناها أن يتجرد المرء أمام الاشباح، وهو ما تنتظره تلك الاشباح في شراهة. ولا تبلغ القبلات المكتوبة غايتها، ذلك أن الاشباح تشربها في الطريق"
-كافكا إلى ميلينا
تأتي رسائل كافكا وميلينا في مقدمة الرسائل الشهيرة، كافكا كاتب ألماني تتسم أعماله بالسوداوية والواقعية، تتناول أعماله مواضيع نفسية كالقلق والذعر، نُشِر القليل من كتاباته خلال حياته أما أهم كتاباته فنشرها صديقه المقرب ماكس برود الذي عزم على نشرها ولم يبيدها كما طلب منه صديقه قبل وفاته.
ميلينا هي سيدة التقاها كافكا عام ١٩١٩ اقترحت عليه ترجمة أعماله، بدأت الرسائل تتبادل بينهما بعد هذا اللقاء، أرسل كافكا لها ما يقرب ١٤٩ رسالة، حين أصيبت ميلينا بمرض ذات الرئة نصحها كافكا بالتوقف عن ترجمة كتبه.
"لا يمكنني أن أفكر في شئ يصلح لكي أكتب لكِ فيه، إنني أتسكع فحسب، هنا بين السطور، تحت ضياء عينيك، وتحت أنفاسك كما لو كنت أتنزه في يوم سعيد صحو، يظل صحوًا وسعيدًا".
-كافكا
توقفت الرسائل بينهما في أواخر عام ١٩٢٣، حيث أبعدها عنها الخوف والمرض والكثير من العوائق والتعقيدات، فكانت ميلينا في هذا الوقت إمرأة متزوجة، وكانت طبيعة حياتهما في هذا الوقت يجعل وجودهما معًا أمرًا مستحيلًا بعض الشئ، استمرت العلاقة بينهما ثلاث سنوات لكنها كانت مليئة بالرسائل وخالية من الأمل.
-
Fatma tarikInterested in books, writing and self learning