حينما تتعثر بنا الحياة و القدر يبدأ بفرض قوانينه علينا ، ما نملكه في تلك اللحظة هو الرضا بما قسمه لنا الله ولكن الفقد يجعلنا نشعر وكأن جزءا منا أنتهك 

فقدان الأشخاص العزيزة لدينا ينهش في قلوبنا ندبات لا يقدر على محوها الزمن ، الفقدان بموت شخص عزيز علينا سواء كان أحد والديك أو شخصا آخر ،

في حقيقة الأمر نكتشف بعد ذلك أنه لم يمت الشخص فقط فنحن أيضا يمت بداخلنا جزءا معه دفين تحت أعتاب قبره ، نبحث عن روح تلك الفقيد في كل دروب الحياة بشتى الطرق لتحيطنا روحه بالسكينة كما كان يفعل على قيد الحياة ولكننا نصطدم بواقع الفقد المرير الذي ينزع صفو كل لحظات حياتنا .

يمكن أن يكون الموت من أشد أنواع الفقد ولكنه ليس أصعبها ، برأيي أرى أن فقدان الأشخاص على قيد الحياة أشد ألما من الموت ، لأن الموت شيئا حاسم حتى إذا كان صادم في حسمه ولكنك تعلم النهاية تعرف أين سار ، لديك ملجأ له محدد حينما تتعثر بك الحياة تأتى له ليغمرك بطيف سكينته بعض الشيء ،

أما الفقدان على قيد الحياة يكون مصاحب بالإحتمالات التى تجعلنا دائما نضع سبب تلو الآخر عن إحتمالية الرجوع إحتمالية القرب إحتمالية تواصل الود بيننا مرة أخرى ، نعيش بإزدواج مشاعر حائرة بين الفقدان والرجوع و هذا أشد ألما بكثير من الموت .

الفقد لم يكن مقتصرا على فقدان الأشخاص فقط بل هناك فقدان أقوى من ذلك و هو فقدان الروح .

فقدان الروح هو أشد أنواع الفقد حينما تفتقد ضحكتك العفوية القديمة أحاديثك ، شغفك في الحياة و في العطاء و الأهتمام و التحدث و في تفاصيلك البسيطة .

أصعب أنواع الفقد هو فقدان نفسك القديمة بتلقائيتها و روحها المفعمة بالإهتمام والمسالمة بالحياة حتى بسذاجتها بعض الوقت نفتقد كل هذا نفتقد حتى عيوبها !

في كل مرة نحاول بها أن نكون إستمداد لبث طاقة عطاء نفتقدها بنا في شخصا آخر تجلب لنا مسكن لآلام الشعور بالفقد الذى يحاوطنا .

فقدان الحب يجعل الأشخاص تنشر تلك العاطفة على كل ما يحيطها بأبسط الطرق و الوسائل و كأنهم يستمدون من زرع الفرحة بقلوب الآخرين حبا جديدا لهم .

فقد الأمومة و الأبوة يجعل الأشخاص أكثر حنانا وعاطفة مع الأطفال تعويضا بهذا عن ذاك .

الفقر يجعل الفقراء أكثر تضامنا مع من يريد المساعدة لأنهم يعلمون جيدا مفهوم الأحتياج .

بقدر ما يجعل الفقدان قلوبنا أقسي أو أكثر واقعية لكنه أيضا يجعل منا رموزا يقتضي بها فيما بعد .

الطفل الذى كان دائما محاوط بشعور خوف يريد أن يصبح ضابط ليحجب كل أعين الخوف للجميع و ينيرها بالأمان الذى مازال يبحث عنه .

من فقد التعليم في صغره سعى أن يلحق أولاده في أعظم المدارس والجامعات ليحققوا له ما عجز عن تحقيقه .

الطفل الذى عانى طيلة عمره من مرض مزمن نجده يريد أن يصبح طبيب ليداوى آلام الآخرين .

الشاب الذى مر بتجربة إدمان ليبدأ من جديد نجده أنفع الناس في مساعدة المتعافيين و تحفيزهم !

إن الشعور بالفقدان يتكلل دائما بالعطاء و تحديدا فيما نفتقده بحياتنا تعويضا منا لفقدانه ، لذلك فاقد الشيء هو أكثر من يعطيه ببذخ عن غيره لأنه أكثر الناس علما بمرارة فقدانه .