كان ابى يعمل معلماً ،وقد سافر الى بعض الدول العربية كاليمن ، وسلطنة عمان ،كنا نجلس بجواره عندما يعود فى نهاية كل عام دراسى يحكى لنا خطة سيرة فى رحلته منذ خروجه وحتى عودته كنا نشعر اننا نعيش معه فى تلك الاماكن التى يحكى لنا عنها ،يحكى لنا عن طلاب السلطنة وادبهم وترحابهم بالمعلمين القادمين من مصر ،يحكى لنا عن ملابسهم وشكلها المميز ، يحكى لنا عن "القات" اليمنى والاكل العمانى عن "نبات الرجلة " وحب اليمنيين له يحكى لنا عن عن الميناء الجوى "المطار" والطائرات كل تلك الحكايات مازالت تترد على ذاكرتى من حين لاخر لترسم على وجهى ابتسامة جميله تظهر مدى حبى لتلك الذكريات ، علمنا ابى منذ صغرنا كيف نكتب اليه الخطابات وعرفنا منذ صغرنا مهام وزارة الخارجية واعمالها المختلفة ،عرفنا معنى "السفير " وقتها بذلك الرجل الانيق صاحب الافكار المهذبة والفكر العالى ،والاخلاق الرفيعة ،والهندسة االاخلاقية فى معاملة البشر والحكمة البشرية التى تجعل من الاحجار النارية الصلبة اشياء غضة طرية ،عرفنا معنى السفارة والعمل الدبلوماسى .
الدبلوماسية او براعة التعامل مع الاخرين او تلك الطريق للتعامل بين البشر للوصول الى غايىة او هدف بعيدا عن العنف باستخدام اللباقة والدهاء لتحقيق تلك الغايات والاهداف وبهذا المعنى فان الاهداف لكل البشر مما يعنى ان الدبلوماسية يجب ان تتقن لكل من اراد طريق السعاده ودون تكليف .
كل ذلك ادار فى ذهنى رحى التفكير نحو تفعيل العمل الدبلوماسى فى كافة انشطة الحياه .
سألت نفسى ذات مرة لماذا احب المربعات ثم المستطيلات وافضلها عن الدائرة (اكمل الاشكال الهندسية ) ؟
ولماذا اقتنى بعض الاشياء التى تعكس تعلقى بتلك الاشكار الهندسية الغير مرنه ؟
ملابسى ،ساعة اليد المستطيلة او المربعة وفى ابعد الاحتمالات بيضاوية ولكنى ابتعد عن الدائرة ،حتى انى افضل الجلوس فى النادى على منضدة مستطيلة ، حتى اطباق الاكل احاول الالتزام بتلك الاطباق المربعة او المستطيلة ، السيارات، الرسومات واشياء كثيرة وحدث ولا حرج.
بعد ان شاهدت تلك الصورة فى مخيلتى ادركت وقتها بشىء من التأكيد انى بعيد كل البعد عن الدبلوماسية واننى اقف امام شخصية غير مرنه .
وفى محاولة لى للتعرف اكثر عن معنى متجسد عن الدبلوماسية لعلى بهذا المعنى قد امارسها فى حياتى اليومية وانا اتمنى من داخل اعماقى ان اجسد ولو وجه واحد من اوجه الدبلوماسية المختلفة .
فتحت الباب لذلك الدبلوماسى الذى يتردد عليىنا من حين لاخر وقبل ان يدخل سألته ما معنى الدبلوماسية ؟
ضحك فى وجهى بعد ان قرأ على صفحته حاجتى الشديدة للمعرفة الفعلية للمعنى القريب للدبلوماسية اخذى يدى وتوجه بى الى حيث اعتاد ان يجلس على تلك الكرسى المهتز "الهزاز" فدائما كان يحب الهدوء والاسترخاء الذهنى ، سكت بضع ثوانى بعد ان اغمض عينية وقام ببعض الحركات الاهتزازية ثم فتح عينيه وقال لى احضر لى فرجارا ومنقلة ومثلث ومسطرة وقلم رصاص ! قلت له ولماذا كل ذلك ان لم اسألك عن معنى الهندسىة ؟
قال لى حتى ارسم لك صورة عن الدبلوماسية تقرب لك المعنى فرب صورة خير من الف كلمة .
اسرعت الى مكتبتى الصغيرة واحضرت له ما طلب منى وقال لى اريدك ان ترسم لى على هذه المربعات الصغيرة ( الرسم البيانى ) علاقتك بالاشكال الاتية " المربع ،المستطيل ،البيضاوى ، المسدس، المثلث ثم الدائرة " .
اخذ المسطرة من يدى ورسم محور افقى ،واخر رأسى ليمثلا المحور "السينى و الصادى " وقال ضع تلك الاشكال على المحورين .
فما كان منى الا ان رسمت مربع ثم مستطيل ثم بيضاوىثم مثلث واخير رسمت الدائرة (اكمل الاشكال الهندسية) .
هز رأسه بشكل فهمت معناه بانى بعيد كل البعد عن الدبلوماسية وقال لى فى اجابة دبلوماسية " اذا تمسكت بهذه الاشكال وبنفس الترتيب فلن تعرف للدبلوماسية معنى ولن تكون دبلوماسيا ابدا " .
اصابتنى تلك الكلمات وقتها بحالة من اليأس اذ لا يمكننى ان اغير من اشياء ربما جبلت عليها وكيف لى ان ابحث واتعرف من جديد عن معنى جديد لتلك الاشكال وعلاقتها بشخصيتى؟
قرأ كل ما دار فى اروقة عقلى بدبلوماسية فائقة وقال لى " لا تكبروتضخم الامور فالامر سهلا جدا "
كيف ؟!
هل من السهل ان يصبح الانسان دبلوماسيا بعد ان قضى ما فات من عمره قبل تلك الحظة فى براثن الحرب وجمود الافكار ،وموت المشاعر ،والعيش فى حلبة التعاسة والبؤس.
نعم من السهل ان تطوى الصفحة التى امامك وتفتح للدبلوماسية صفحة جديدة شريطة ان تكون لك ارادة حقيقية وستصل بالمعرفة والاطلاع والقراءة والتطبيق لتكون اعظم دبلوماسي فى الحياة البشرية .قلت له اذا فعلمنى ماهى الدبلوماسية حتى اسعى اليها بحثا ومعرفة.
اخذ بيده الفرجار وارتكز بسنه الحاد على نقطة الصفر ورسم دائرة تمر الاربع ارباع وقال لى هذه هى الدبلوماسية التى يمكن ان نختصرها فى الدائرة التى تعبر عن المرونة والانسيابية والحركة والشمول والمرور .
لهذا ظهرت عليك الانطباعت عندما رسمت المربع ثم المستطيل ثم ....... نعم فتلك الاشكال الثابته المنعدمة الحركة التى تميل الى الانكسار فى زواياها والجمود فى خباياها والتوقف فى معناها انما تشع جوا من عدم الدبلوماسية وما تقوله عن طبعك او انك جبلت على حب تلك الاشكال فضع تلك الاشكال تحت قدميك كن بعقلك انت المخطط والمتحكم والمتحرك اصنع من مربعاتك الداخلية قاعدة تحت اقدامك كرقعة الشطرنج تتحرك عليها ولا تجعلها هى التى تحركك من اليوم حاول تختار وتجعل من الدائرة حوارك لتكون دبلوماسيا ماهرا .
-
محمد بركات محمدمدرس البيولوجى ووقاية النبات بمدرسة دشنا الثانوية الزراعية