حافية القدمين - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

حافية القدمين

  نشر في 08 ماي 2018 .

تمسك بالأمل مهما كانت الظروف ضدك، وثق أن الماء لا يقضي على السفينة ما لم يتسرب لداخلها، وكذلك اليأس والإحباط قد يحوم حولك من وقت لآخر، وهذا لا يمثل خطورة عليك في الواقع، بل تكمن الخطورة المحدقة في أن ينفذ اليأس إلى قلبك. نفذ اليأس إلى قلوب كثيرين، وقد عايشنا انكساراتهم وتعاطفنا معهم، ولكن الإلهام الذي نبحث عنه لم نجده بينهم. الإلهام الذي نبحث عنه نستقبله من أناسٍ قاتلوا دون هوادة، وثابروا دون خنوع أو انسحاب أمام أزمات الحياة؛ فسطروا قصصًا خالدة وارائدة في حياة البشرية.

لو كنت حافيًا فإن بمقدورك النجاح، وهذا ما حققته حافية القدمين. هي طفلة في بواكير العمر، لم تعرف الراحة يومًا، يحفل صدرها بذكريات صعبة تفوق عمرها؛ ذكريات ستبقى في وجدانها مدى الحياة. الطفلة السمراء البشرة باسمة الثغر تحمل أوجاع الكبار، إنها ذكريات طفلة وجدت نفسها تعول أسرة بأكملها؛ فوالدها قد هده المرض بعد شقاء مرير، ووالدتها فارقت الحياة وهي قلقة على مستقبل ابنتها، ولم تجد الطفلة ما تدفع به شبح الجوع إلا بيع المناديل. ليست حرفة ولكنها لا تستطيع أن تمارس عملًا صعبًا؛ فجسدها النحيل ليس مؤهلًا بعد لقسوة الحياة، ولكنها مجبرة أن تحفظ ماء أسرتها ببيع المناديل.

وبينما تقف مروة حسن أمام حديقة درة النيل بأسوان الساحرة، بعد صلاة الجمعة وتتأهب لبيع ما معها من مناديل؛ فإذا بها تتوقف أمام حشد كبير من الناس، وبينهم أطفال يستعدون للماراثون. هي لم تعرف ما هو الماراثون، ولكن أخذها ما يأخذ الأطفال من الفضول، وأبدت استعدادًا للمشاركة في هذا الجري. هي أيضًا لم تسدد رسوم هذ الماراثون، ولا تدرك ما أهميته، ولا ماذا بعد هذا الماراثون، هي طفلة رأت أطفالًا يستعدون للجري؛ فقررت أن تستعيد طفولتها ولو لدقائق ثم تعود لحمل أعباء الكبار.

دخلت مروة حسن سباق الماراثون لمسافة واحد كيلو متر، وهذا السباق أطلقته مؤسسة مجدي يعقوب لدعم التبرعات للأطفال مرضى القلب، شاركت معهم هذه اللحظات الطفولية، وإذا بها تلتهب حماسة وتفوز بالمركز الأول في السباق، ويصدق فيها المثل الشعبي "جه يطل غلب الكل". سبقت جميع الأطفال دون تحضير مسبق، ودون حذاء رياضي يناسب الماراثون أو ملابس خاصة بالماراثون، استعملت الموهبة فحسب. نجحت في هذا السباق، ولعلها تنجح في سباق الحياة بفضل كفاحها، ولكن ذلك لم يكن نهاية القصة؛ فقد أبدت مروة مهارة لافتة للنظر دفعت المسؤولين بنادي طلائع الجيش لقيدها بالنادي، واكتشفوا مشروع بطلة أوليمبية بالصدفة المحضة.

سُجلت مروة حسن في اتحاد ألعاب القوى بقرار من اللجنة الأوليمبية المصرية، وغدًا نشاهدها بطلة في مضمار الكبار، وقد نراها تكسر الرقم القياسي للأمريكية توري بوي، والهولندية دافني شيبرز، والجامايكية إيلين تومسون وغيرهن من بطلات العالم في سباقات الماراثون.

يمتلك الناس من حولك مهارات، الروعة أن نحاول اكتشاف تلك المهارات، وأن نساعد أصحابها على استثمار مهاراتهم، وعندها نصنع جيلًا من المبدعين، وتتغير حياتنا جميعًا للأفضل. ليس مهمًا أن تحرز الهدف، ولكن أن يُحرز الهدف، ولا بأس أن تمنح الفرصة للناس دون أحكام مسبقة؛ فماذا لو حُرمت مروة حسن من دخول الماراثون بدعوى أنها لم تسدد الرسوم؟ لفتة كريمة قدمتها منظمة مجدي يعقوب لمروة حسن، وهذا ليس غريبًا على مؤسسة تسعى لرسم ابتسامة على وجوه الأطفال وتزرعها في قلوبهم، والشكر الجزيل لكل من يصنع بطلًا أو يسهم في ظهور موهبة واعدة. مروة حسن مثال يستحق التقدير والرعاية، والموهبة تفرض نفسها بقوة.   


  • 5

   نشر في 08 ماي 2018 .

التعليقات

Salsabil Djaou منذ 5 سنة
كلماتك تبث التفاؤل في نفس قارئها ،مقالك رائع موضوعا و طرحا ،دام قلمك أستاذ محمد.
1
محمد الشبراوي
شكرًا جزيلًا، من حسن ظنكم، بوركتم.
في منتهى الروعة ...قصة واحدة .. و كثير من الحكم و العبر .. عن سباقنا الدائم مع الحياة .. ضد الزمن ..
من الجميل ان مروة حسن و جدت من يقدر مواهبها و يحتضنها في كنفه ..و يجعلها بطلة لما لا ... الاشياء الكبيرة هي نتاج مقدمات صغيرة ...
ابدعت حقا .لديك طريقة رائعة و انت تتنقل بين الافكار . دام سحر قلمك
2
محمد الشبراوي
شكرًا جزيلًا صديقي الكريم، بوركت، وهذا شرفٌ لي.

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا