الزمان: الأحد 29 أكتوبر 2006
المكان: ستاد القاهرة – مدينة نصر – القاهرة
الحدث: مباراة الذهاب لنهائي دوري أبطال إفريقيا – الأهلي المصري والصفاقسي التونسي
خرجت من ستاد القاهرة في ذلك اليوم حزينًا ساخطًا بعد انتهاء المباراة بتعادلٍ مخيبٍ للآمال بنتيجة 1-1 .. كنت قد شددت الرحال في ذلك اليوم – مع عشرات الآلاف من جماهير الأهلي – إلى ستاد القاهرة آملين في فوزٍ كبيرٍ يريح الأعصاب في مباراة العودة .. تلك المباراة التي أصبح الفوز بها أمرًا لا مفر منه من أجل الفوز بالبطولة القارية الغالية.
كان الأهلي في ذلك الوقت في أزهى سنوات تألقه تحت قيادة الساحر البرتغالي مانويل جوزيه الذي قاد كتيبة من النجوم الذهبية، مثل: عصام الحضري – وائل جمعة – عماد النحاس – محمد شوقي – إسلام الشاطر – محمد بركات – عماد متعب – جيلبرتو وفلافيو الأنجوليين – محمد أبو تريكة.
كان الأمل كبيرًا قبل لقاء الذهاب أن تقضي هذه الكوكبة اللامعة من النجوم على أي أملٍ لفريق الصفاقسي في الفوز بالبطولة .. لكن لم تأتِ الرياح بما تشتهيه سفن جماهير الأهلي.
الزمان: السبت 11 نوفمبر 2006
المكان: مقهى "المعلم راضي" – مصر القديمة - القاهرة
الحدث: مباراة الإياب لنهائي دوري أبطال إفريقيا – ستاد رادس بتونس - الصفاقسي التونسي والأهلي المصري
على الرغم من انحسار الأمل بعد تعادل مباراة الذهاب وتضاؤل فرص الفوز بالبطولة من ملعب رادس المرعب، إلا أن ذلك لم يمنعني من أن أتوجه – بصحبة والدي العزيز - إلى مقهى "عم راضي" القريب من منزلنا قبل موعد المباراة بساعةٍ كاملةٍ من أجل حجز مكانين مميزين أمام شاشة التلفاز الصغيرة من أجل مشاهدة المباراة.
كان المقهى – ككل مقاهي مصر في ذلك اليوم – مزدحمًا بصورة أكبر من المعتاد من أجل مشاهدة النهائي الإفريقي .. أصبحت الأغلبية تضطر إلى الجلوس على المقاهي من أجل مشاهدة المباريات الهامة في زمنٍ لا يمتلك فيه الأغلبية رفاهية دفع اشتراكٍ باهظٍ كي يشاهدوا مباريات الكرة .. لم تعد متعة مشاهدة مباريات الكرة مجانيةً كما كانت في الماضي القريب .. أصبحت المتعة مشفّرةً، ولا سبيل إلى فك شفرتها إلا بحجز مقعدٍ خشبيٍ في مقهى "المعلم راضي"ودفع خمسة جنيهاتٍ ثمنًا للفرجة بخلاف ثمن المشروب!.
على الرغم من افتقاد الأهلي لجهود خمسٍ من أبرز لاعبيه الأساسيين، وهم: محمد بركات – طارق السعيد – عماد النحاس – محمد شوقي – أسامة حسني .. إلا أن المباراة بدأت بضغطٍ كبيرٍ غير متوقعٍ من لاعبي الأهلي أملاً في إحراز هدفٍ مبكرٍ، وتراجعٍ دفاعي من لاعبي الصفاقسي حفاظًا على مكتسبات مباراة الذهاب، وكان التراجع الدفاعي مصحوبًا بإضاعة الوقت مع كل مخالفةٍ – كما هي العادة في مباريات فرق الشمال الإفريقي.
استمر الضغط الأهلاوي طوال فترات المباراة دون إحراز أي هدفٍ .. عداد الوقت أعلى يسار الشاشة يشير إلى اقتراب الدقيقة 90 .. تسديدة قوية بقدم فلافيو ترج العارضة العلوية لمرمى الصفاقسي .. يرفع الحكم الرابع اللوحة الإلكترونية معلنًا احتساب خمس دقائق كوقتٍ بديلٍ عن الوقت الضائع .. لاعبو الصفاقسي يرفعون أيديهم لبث الحماس في قلوب وحناجر جماهيره .. مراد المحجوب المدير الفني للصفاقسي يحكم ربط حذائه استعدادًا للحظة إطلاق الحكم صافرة النهاية والاحتفال مع لاعبيه بالبطولة .. عداد الوقت يشير إلى بداية الدقيقة 92 .. يرفع شادي محمد كرةً عالية من أمام منطقة دفاع الأهلي لتعبر منتصف الملعب إلى حدود منطقة جزاء الصفاقسي .. يستقبلها عماد متعب برأسه ليرسلها إلى داخل منطقة الجزاء لتجد رأس فلافيو الذي أعادها مرة أخرى إلى خارج حدود منطقة الجزاء لتجد القدم اليسرى لأبو تريكة الذي سددها مباشرةً قبل أن تلمس أرض الملعب .. صاروخ لا يُصَد ولا يُرَد سكن في أسفل الزاوية اليمنى لمرمى أحمد الجواشي معانقًا الشباك.
لم أرَ في حينها ما حدث بعد ذلك، فقد انطلقت صرخات الجنون والفرحة من حناجر كل من كانوا بالمقهى .. وجدتني أعانق شخصًا غريبًا لا أعرفه وضعه القدر بجانبي في تلك اللحظة .. بحثت عن والدي وسط زحام المقهى لأجده هو الآخر يعانق أشخاصًا لا يعرفهم .. أشخاص لا يجمعهم إلا فرحة غامرة بفوزٍ أسطوري لفريقٍ اعتاد ألا يعرف لليأس عنوانًا.
اليوم وبعد مرور أربعة عشر عامًا بالتمام والكمال على هذا الفوز، لو أنك سألت أي مشجعٍ للنادي الأهلي عن أسعد لحظةٍ كروية رقص فيها قلبه من السعادة، فإنني أثق تمام الثقة أنهم سيجمعون على أنها تلك اللحظة التي ستظل محفورةٌ في قلب وعقل كل أهلاوي .. تلك اللحظة التي عانقت فيها تسديدة أمير القلوب محمد محمد محمد أبوتريكة مرمى الصفاقسي في الدقيقة 91 و 9 ثوانٍ لتعلن فوز الأهلي باللقب الإفريقي الخامس.
وعلى الرغم من كثرة البطولات التي فاز بها الأهلي عبر تاريخه، إلا أن فرحة الفوز بهذه البطولة طغت على أي فرحة صاحبت الفوز بأي بطولة أخرى .. بل وأجزم أن الفرحة التي تلت لحظة تسجيل أبو تريكة لهدفه الأشهر والأغلى لا يمكن أن يضاهيها أي فرحة أخرى.
نادرةٌ ومعدودةٌ تلك اللحظات التي تمنحها لنا الحياة والتي تكون فيها الفرحة طاغية من القلب .. وقد كان المشهد السابق أحد تلك اللحظات النادرة في حياة كل من عايشوها.
إسلام أحمد البكري
مرسى مطروح
الأربعاء 11 نوفمبر 2020م