استقبلتنا قريبتنا بحفاوة واختارت لنا طاولة قريبة من مكان جلوس العروس،جلست قبالتي سيدة جميلة جدا ، بدا وجهها مألوفا ،مألوفا جدا ، انتبهت أنها تراقبني أيضا .
سألت والدتي إن هي تعرفها و أنا أرجو أن تكون "هي"فأجابتني بأنها "مريم"، "هي" هي ومن سيشبهها ؟
مسحت دمعة نزلت على خدي و انا اتذكر صديقة طفولتي ، كان منزلانا الصيفيان بعيدان ،أحدهما في القمة و الآخر في السفح.لم نحس بالملل ونحن نجري صعودا ونزولا و أيادينا ملأى بحبات التوت البري .
خصلات شعرها الذهبية المتمردة تطير في الهواء و نحن نجري في المنحدر بدون خوف ، أي سعادة شعرنا بها و نحن نجلس على بساط العشب الأخضر نتأمل زرقة البحر ، كان لون شعرها يشبه لون عينيها و بشرتها ، صوتها المبحوح مازال يتردد في أذني.
_أركضي بكل سرعتك .
فقط حاولت مجاراتها و هي تركض ممسكة يدي بكل قوة.
كيف انتبهت الى الخطر المحدق عكسي تماما ؟
_عليك أن تكوني حذرة و متيقظة جدا .ارتحنا قليلا قبل خوض مغامرة جديدة هذه المرة في المنزل الكبير.
_تعالي ...هيا لناكل بعض الفواكه .
هل كانت نظيفة أم لا، لا أتذكر ،فقط أتذكر طعمها الحلو جدا.
جلست قبالتي بزي تقليدي قسنطيني ،لست ادري لماذا نرتدي كل هذه الاشياء الثقيلة التي تجعلنا نتصبب عرقا ونحن نجلس قبالة المكيف .
تنظر إلي ،هل تذكرتني ؟
_وضعت يدها على رأسها و حركته يمنة ويسرة في علامة على نفاذ صبرها .
حركت رأسي متسائلة و أنا أقطب حاجبي و أرفع يدي مشيرة إلي.
هذه المرة امسكت بطرفي فستانها الاخضر المطرز و تحركت بصعوبة ،لم يساعدها الكعب العالي كثيرا في السير اقتربت بحذر فالسقوط في حفل مكتظ سيصنع الفرجة أكيد.
_قولي والله ما شفيتي عليا.
_ والله شفيت عليك .
دمعت عينانا و ابتسمت لمريم ...
_ هل سأنسى منقذتي؟ !
كل الوقت لن يكفي لاختصار أحداث وددنا لو تقاسمناها ، كم إشتقت لك مريم !
هل رأيت فعلا "الساحرة الصغيرة"، هل استعدت حلقة مفقودة ، أصدقاء الطفولة يشبهون الحلم الجميل لا يتغيرون أبدا ،عجبا كيف تحتفظ الحياة بنقاء بعض الوجوه إلى آخر لحظة !
تذكرت أحداثا تقاسمناها ،و لم يسرقني من شريط ذكرياتي إلا صوت زوجي و أطفالي يريدون طعام العشاء.
_هي ليلة العشاء خارج المنزل .
_ تبدين سعيدة جدا .
_قابلت قريبة عزيزة جدا على قلبي.
بعدها بأيام...
لم تنظر إلي و هي تحدثني :" تأخرت كثيرا في اتخاذ قراري ،كان هو الشخص المناسب منذ البداية ، شخصيته و حبه الكبير لي ، بحثت عن ارضاء غروري و رفضته بحثا عن الأحسن ، قابلته بعدها بسنوات ،لم يتغير أبدا ، لم ينسني ، و تزوجنا و أنا سعيدة جدا معه لدرجة الندم "
أحيانا تكون السعادة قريبة جدا و لكننا نؤجلها أو نضيعها بسبب سوء التقدير.
التعليقات
ما أعذب الكلام..أخذني إلى المنحدر،والعشب الأخضر..وزرقة البحر،ريح الأرض وطعم التوت البري.أنتِ بارعة في الأسلوب القصصي..في السفر بنا في سلاسة نحو الذكرى والعودة بنا سالمين إلى الحاضر حيث الحفل ينتظرنا..هذا السفر عبر الزمن كان سلسا..دون عثرات ولا كبوات..كالحلم..وكتجدد الذكرى..وكمريم..أحب القراءة لك صديقتي الغالية
رائعة كالعادة وفي انتظار كتاباتك القادمة.
بالتوفيق أختي العزيزة سلسبيل