لِقاء و غِطاء
( إلى نعيمة: أنت أيتها النّجمة في السماء، رفيقة الوحدة واللّيالي الموحشة الباردة)
نشر في 07 مارس 2022 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
كان الجو بشعاً هذا الصّباح عندما استيقظت، ليس كئيبًا ذا انطباع باللّون الأزرق، وإنّما كان مشمسًا وصافيا، من قبيل تلك الأيام الربيعية التي دَرَج النّاس على اعتبارها "أيامًا رائعة". لا أعلم من أين ولا كيف يأتون بمثل هذه الأحكام، اللّهم إذا كانت لديهم علّة أو حاسّة ما أفتقر إليها.. وهذا ممّا لا أستبعده، و أرَجّحه.
تأمّلتُ الجوّ قليلًا من السّطح في استياء، ثمّ قرّرتُ الذّهاب إلى الكلّية تزجيةً للوقت..
وَفي الترام اتّخذتُ مكاني غير جالس ولا واقف على مَسند الواقفين، أكاد أكون مرتاحًا لَولا وجود رجل بجواري يشاركني المَسند، غيرَ أني جعلتُ مسافةً بيني وبينه تفاديًا للضّيق، ثمّ تسَمّرت مكاني متصنّعًا تأمّلَ الطّريق.. كانت المقاعد جلّها عامرة.. وفي منتصف الطّريق تقريبًا، صعدَت فتاة ووَقفَت قريبة جدًا مني بجوار المسند؛ عرفتُ أنها فتاة فقط من جِرابها ويدها، إذ لم أجرؤ على النّظر إلى وجهها. وإذ وقفَت لم أشعر بذلك الانزعاج أو الضَّيق الذي أشعر به عادة كلّما احتكَكتُ بالآخرين أو كنت قريبًا منهم، بل على العكس شعرتُ بنوع من الدّفء والطّمأنينة، كما لو كانت غطاءً يسترني ويُغطّيني.. مِمّ يغطّيني؟ ! لا أعرف، المهمّ أنه يغطّيني من شيء ما؛ فأنا لَم أعتَد بعدُ على هذه الحياة، لقد اعتدتُ على بعض الأشياء السّخيفة كالأكل والشّرب والنوم و... لكنني لم أعتد بعد على التّأقلم والتّكيّف مع هكذا حياة بشرية.. اجتماعية.
المهم أنني ارتحتُ واطمأنَنتُ لوجودها قربي. وقد كان مرفقها في كل مرّة يتوَقّف فيها الترام يُلامس ذراعي بلطف، فتغمرني بذلك رعشة أحاول أن أداريها من خلال تعديل وقفتي أو جلستي (مهما تكُن !).
لكن و في إحدى تَوَقّفات الترام، في المحطّة قبل ما قبل الأخيرة تحديدًا، وعلى حين غَرّة، وبدون سابق إنذار؛ غادرتِ الفتاة المقطورة. فانتابني إحساس مُترَع بالهوّة والفراغ.. شَرعتُ أفكّر: ما الذي يَسعني أن أفعله بدونها؟ .. لم أستطع تخيّلَ الأمر، وكأنّني لم أصعد ترامًا أو حافلة أو وسيلة نقل عمومية دونها من قبل.
تَملَّكني شعور حادّ بالبرودة، وَ بأنني أصبحتُ عاريا، وَ أكثر عرضةً للفُرجة ولنظرات الآخرين، فهَممتُ أُعَلّلُ نفسي وأداهنها مماطلًا: "محطّتان فقط وسَينتهي الأمر.. لن يدوم الأمر طويلا.. لن يدوو.."، لكن الأمر لم ينجح، فقد طفِق جسدي يرتعش وفرائصي ترتعد، ونظرات المسافرين صارت جارحةً أكثر فأكثر.. وما إن توقّف الترام في المحطّة ما قبل الأخيرة حتى ترجّلتُ منه مسرعًا، و هَرعتُ إلى دكّة الانتظار بالمحطّة، حيث جلستُ ألتقط أنفاسي و أستجمع شتات نفسي ودفئها وشجاعتها.
و إذ ذاك قدِمَت تلك الفتاة التي أخذَت تحملق في وجهي بتعجّب وانشداه، خشيتُ من فكرة أن كل ما ألَمّ بي وَ مررتُ به قد كان ظاهرًا وَواضحًا للعَيان، فَخجلتُ من ذلك، و افتعلتُ اللّامبالاة بوجودها.. لكنّها لم تلبث أن نطقَت بنبرة متسائلة:
ــ " معاذ !"
نظرتُ إليها في استغراب، ثمّ أجبتها بصوت خفيض:
ــ " نعم !"
ــ " أَلا تتذكّرني؟.. أنظر جيّدًا.. فكِّر..
( ودون أن تترك لي الفرصة لذلك أردفَت بصوتٍ ملحاح:)
جِهان؟ ! ، الثانية واحد.. إعدادية الزّرهوني؟.."
ــ " آاه، أنت."
قلتُ متصنّعًا، كما لو أنني قد تذكّرتها تمامًا بغية اختصار الكلام، وإنهاء لعبة الحزر المضجرة هذه. لكنّها استطرَدت جذِلةً:
ــ" وأخيرًا!.. أَتتذكّر حِصة الفرنسية؟.. الأستاذة جِنان التي اعتادَت أن تجلسنا دائمًا أنا وَ أنت بجانب بعضنا؟ .. كانت تدعو للاختلاط.. أَتتَذكّر حين ضبطَتكَ تلقي نكاتًا بذيئة في القسم فطردَتك، و أرسَلَتك إلى الحارس العام الذي ضربك بعصَا مكنسة.. أتتذكّر؟ "
كنتُ أتذكّر حادثة الضّرب، حتّى بدون تحفيزها أو نبشها المتعب لذاكرتي، لكن وجهها كان ضبابيا في ذاكرتي، أما اسمها فكان َلَه رنين في أذني ما يزال.
أجبتُها بابتسامة مداريةٍ:
ــ " نعم، أتذكّر."
وحينها فقط استطاعَت أن تصمت قليلًا، لكنّها لم تتحمل ذلك كثيرا، فقد كانت رؤية كائن قديم/ جديد تمنحها فرطًا من البهجة والطّاقة والحيوية للثّرثرة؛ سألَتني:
ــ " إلى أين أنت ذاهب؟"
ــ " إلى المنزل."
أَجبتُها متسَرّعًا. وَأَردتُ تداركَ الموقف، لكن الحوار كان أسرع.
ــ " هل غَيّرتُم مسكنكم؟ !"
وحين سمعتُ سؤالها هذا بتلك اللهجة العارفة التي صاحبَته بها، أدركتُ أنها تعرفني حقا.
ــ " كلّا.. كنتُ فقط ألتقط أنفاسي هنا قبل الذّهاب إلى الجهة المقابلة من المحطّة"
ــ " هيّا إذن. فالترام لم تتَبقّ له سوى دقيقتين.. أنا أيضا ذاهبة إلى المنزل، فأستاذ المعهد قد تغيّب عن حصّة اليوم."
قرّرَت بصوت حاسم. فذهبنا إلى الجهة المقابلة، كانت ساعة المحطّة تشير إلى العاشرة إلا ربع حين وصلنا إليها. وفي الترام جعلَت تسألني بعضًا من تلك الأسئلة الاعتيادية: (ماذا تفعل الآن؟ ماذا تدرس؟ في أي سنة أنت الآن؟ وهل ما زلتَ ترى أيًّا من زملائنا السّابقين؟ ...) و أنا أجيبها باقتضاب دون أن أنظر إليها، متَصنّعًا الهدوء..
وحين انقضَت جعبتها من تلك الأسئلة السّخيفة، رَمَت بذراعها على ظهر الكرسيّ خلف عنقي، وأمالت جسدها ناحيتي رافعة بذلك مؤخّرتها للهواء في الخلف، نظرتُ إليها بتشَنّج فوجدتُها تبتسم وهي تُحدّق في عينيّ مباشرة بنظرات متدَلِّلة كما لو كنت أباها أو عشيقها أو شيئًا من هذا القبيل.. بقيَت على تلك الحال قليلا إلى أن انطلَقَت بلهجة متواطئة:
ــ " أما تزال معجبًا بي، كما في السّابق.. ها.. أما تزال تُحسّ بشيء تجاهي.. أَلم تشعر بشيء عندما رأيتني هذا الصّباح؟.. هيا.. اعترف !."
ارتفعَت حرارة جسدي حين قالت ذلك؛ شعرتُ بالدّم يصعد ساخنًا إلى أذنيّ عن طريق وجهي، وكانت نظراتها الملتمسة والمدّعية تلك تزيد الوضع سوءًا وحرَجًا.. لم أستطع أن أجيبها، شعرتُ باختناق الصّوت في حلقي، وكل ما قدرتُ عليه هو أنني جعلتُ أبتسم ابتسامةً مداهنة خجلة، بينما كان ظهري يتصبّب عرَقًا..
وتداركًا للصّمت، وَ لِلحالة الحَرِجة التي وضعَتني فيها، سَألَتني إن كان بإمكاننا الذهاب إلى مكان ما لِنجلس فيه على راحتنا؛ (حديقة أو مقهى أو ما شابه ذلك) فليس لديها ما تقضيه هذا الصّباح. أجبتُها إيجابًا، لكنني طلبتُ منها أن أعرج على المنزل أوّلًا لألقي المحفظة، فهي تشكّل عبئًا عليّ. وافقَت على ذلك دون حماس و بفُتور، خلتُ معه أنني قد ارتكبتُ نقيصة أو زلّةً ما، وأردتُ أن أتدارك الموقف فقلتُ لها بأنها يمكنها الذهاب معي إن أرادَت، كتعويضٍ لما قلتُ أو حتّى أؤكّد لها صدق ذلك.
وافقَت وذهبنا إلى المنزل، ألقيتُ المحفظة، وطلبَت كأسًا من الماء البارد، فأمدَدتها به، وجلسنا فوق الأريكة بمدخل الصّالون نلتقط أنفاسنا.. خلعَت غطاء شعرها فبان جزء غير يسير من شق ثدييها كان الغطاء يستره؛ إذ كانت ترتدي قميصًا طويلًا، عنقه على شكل V، مفتوح الجَيب.. تذكّرتُ قوله تعالى؛ << وَلْيَضربن بخمرهنّ على جيوبهنّ >> لكنني لم أعقّب.
أبصَرتني أحدّق في ثدييها، فقالت متبسمة:
ــ " الجَوّ حار.. أليس كذلك؟"
ــ " نعم، أقلّه هو هنا في المنزل أنعم منه في الخارج."
ــ " عِندَكَ حقّ.. الحال هنا أبرد وأريَح."
سألَتني إن كنت قد قرأت كل تلك الكتب التي في مكتبتي، فأجبتُها أن لا.. وَ لاَحظَت مرةً أخرى أنني أتطلّع إلى شقّ ثدييها ذاك، فخفضتُ عينيّ حرجًّا، وأخذَت هي تبتسم، لكن بغنج ومكر هذه المرّة، ثم صرَّحَت:
ــ أيام جميلة تلك التي قضيناها في الإعدادي، أضحك كلّما تذكّرتُها..
ــ نعم، أيامًا رائعةً كانت.
صَمتَت قليلًا وكأنّها تتدبّر أمرًا؛ كانت شفتها العليا ترتعش وعيناها تدوران.. ثمّ فجأةً وكما لو أنّها قد أدركَت أخيرًا أنني فاشل في تجاذب أطراف الحديث؛ رفعَت قميصها الطّويل وَ دَفعَت صدرها إلى الأمام، ثمّ جذبتني من رأسي و جعلَت تمرّغ وجهي بين ثدييها.. ترَكَتني موَرَّدَ الخدَّين، وعيناي تطفحان نشوةً و حرارةً بفعل دفء صدرها وَ رائحته المفغمة.
وقبل أن أستوعب ما الذي يحدث مرّة أخرى، ألقمَتني فمها ثمّ دفعَتني على الأريكة، وألقت بكل ثقلها عليّ مستلقيةً فوقي، ومرسلةً لسانها سابحًا في فمي تارةً، ومتلمّظةً شفتيّ السّفلى والعليا، كل واحدة منهما على حدة تارةً أخرى..
لم تترك لي المجال للتفكير، غير أنني استلذَذتُ ثِقلها، وَ دفءَ صدرها على صدري و ملمَسه، وذلك الإحساس باحتكاكهما معا؛ فهمَمت أحذو حذوَها، و مضيتُ أمطّط شفتها السّفلى تمطيطًا، لدرجة أنني وفي غمر لحظة لذّة مفعمة سمعتُها تصرخ ألَمًا وشهوة، بينا تحاول انتزاع شفتها السّفلى من بين أسناني.. آآه ! وَيَا لَتلك الابتسامة البريئة التي ارتسَمَت على محيّاها، وتلك الصّفعة العَذبة التي كَالَتها لي حين أفلحَت في ذلك..
تصلّب قضيبي وأخذ يخز فخذها، لذَّنيَ الأمر، فرفعتُها و أجلستُها فوقه، بدأتُ أحسُّ بتصلّبه لذيذًا تحت ضغط عجيزتها.. وإذ ذاك حملتُها ــ وقضيبي ما يزال ملتصقًا بسروالها في مؤخّرتها ــ وهرعتُ بها إلى غرفة النّوم، حيثُ سقطتُ فوقها متلَذّذًا، غير أنها ما لبثَت حتى صارت فوقي، وَشَرعَت تخلع سروالها وملابسها.. سحبَت عنّي قميصي كذلك، ثم انهمَكَت في تقبيل صدري و عنقي و أذنيّ وعضّهما..
ارتحتُ لذلك وارتخيتُ له، فأخذتُ أتأَوّه تأوّهات ارتياح، لا شكّ في أنها حسبَتها تأوّهات شهوة؛ إذ راحت تداعب قضيبي براحتها اليُمنى من فوق سروالي، قبل أن تقول ضاحكةً بعدَ أن أمسَكتُ يدها وهي تحاول فكّ زرّ السّروال:
ــ أَوَلن تفعل به شيئًا هذا الأقرعُ المنتصب؟ !
لم أشَأ أن أخرجه لَها. ولم أرغب في أي شيء آخر. أردتُ فقط أن تظلّ فوقي بدفئها وفمها في فمي، كغطاء حميم.. فأجبتُها وَأنا أحيط جسدها بذراعي أنني أفضّل الوضع هكذا. استغربَت قليلا، ثم قالَت ممتعضةً بجفاء: "حسنا"، قبل أن تلقي رأسها على صدري، صادَّةً بذلك وجهها نحو الجهة المقابلة..
لم أرد أن أبرّر شيئًا رغم تضايقي من ردّة فعلها، فبقينا على حالنا تلك زمنًا وأنا أحوطها بذراعي،( كما لوكنت أحوط هرّة سائمةً كانت قد ضاقت ذرعًا و تريد أن تلهو بعيدًا عن حضن صاحبها) إلى أن جاء الوقت فانسلّت من بين ذراعي وهمَّت ترتدي ملابسها في تبرّم صامت، ثم قالت بعد أن انتهت من ذلك:
ــ هلّا خرجنا؟
ــ طبعًا.
أجبتُها. ولَمّا أصبحنا في الشّارع، تَكلّفَتِ النّظر إلى هاتفها، ثمّ أخبرَتني بأن عليها الذّهاب.
أجبتُها بأن لا مشكلة، فقَبّلَتني على خدّي قبلة سريعة ثم ذهبَت.
عدتُ أدراجي إلى المنزل.. وهناك فقط شعرتُ بقضيبي ثقيلًا وممتلئًا، فاستفرغت، ثمّ ارتميتُ على المَرتبة في حضن العطر الذي خلّفه جسدها الرّؤوم.. وَغفَوت.