كثيراً ما يعتريني الخوف، الخوف من الذكريات -وخاصة المؤلمة- الخوف من الماضي والحاضر لكنني أيضا يغمرني الحنين، أصبحت أحن لكل تفصيلة من حياتي السابقة، أناس ولحظات و مواقف لا أجرؤ على نسيانها تعطيك جرعة من الرغبة في مواصلة الحياة و لكنها أيضا تتركك حزيناً حاسراً ساخطاً لأن عقارب الساعة لن تعود أبداً للوراء.

أحن إلى نسخة قديمة من أصدقاء لم يكن في قاموسهم كلمة لؤم أو غدر، كانت البراءة هي المسيطرة  على سلوكهم و أقوالهم، كنا سعداء سوياً نمرح و نغني و نمزح ببراءة الأطفال إنها لحظات حقاً ممتعة تدعوك للتبسم عندما تتذكرها.

أحن إلى نفسي القديمة، أيامكنت  فيها غافلةلكنني كنت أكثر سعادة، عندما لا يحتاج المرء إلى فهم الكثير أو التوغل في نيات البشر فكان كل شيء يبدو سهلاً و كانت الأفعال لا تحتاج إلى الكثير من التحليل و إصدار الأحكام لا أعلم من يكرهني أو يكن لي الحقد لأنني كنت أعامل من أحبهم بما يظهر لي و ليس بما يكنونه.

أحن إلى أبي و أمي رحمهما الله

 كان أبي يعشقني حيث كنت فتاته المدللة.

يعلمني أشياء و يأخذني للتنزه أنا و هو فقط، لم يقسو علىّ يوماً و كان على رأي خالتي (روحه فيا) أبي هو الذي صنعني لولاه ما أصبحت أنا التي عليها اليوم، أعطاني الكثير و حرم نفسه من أجلي أنا و إخوتي و لم يشكو أو يضجر يوماً من طلباتنا، كان ملاكاً على هيئة بشر.

أما أمي فلا كلمات تكفي لشكرها و لا صفحات تسع فضلها علىّ، إنها حبيبتي التي أعاني ما يقرب من سنة من فقدانها، كانت أمي كل ما لدي في الحياة بل كانت هى الحياة،دائما تعاملني باللين، لم ترد أن تزوجني سريعا كما تفعل الأمهات الآن، دائما ما تردد أمي لم يحن الوقت بعد، إعملي في وظيفة فهى الباقية أما الزواج فسيأتي في حينه، أستطيع أن أعترف إنني لما يقرب من السنة و هي منذ وفاة أمي لم أشعر بفرح، جميعها أيام معاناة و يأس، كنت أظن أنها ستعيش إلى الأبد و لن تتركني وحيدة، هكذا الأبناء يظنون أن أباءَهم سيخلدوا للأبد منيرين عتمة حياتهم و أرواحهم و لكن الله يسترد ودائعه متى يشاء.

أحن إلى لحظات عندما كنا أسرة كبيرة أنا و أمي و إخوتي الكبار كانت الحياة بسيطة خالية من التعقيد لم يكن هناك مواقع تواصل إجتماعي و لا هواتف خلوية، الناس يتحدثون مع بعض وجها لوجه و يتسامرون و يفصحون عن مشاعرهم على أرض الواقع و ليس إفتراضياً.

أحن لأشياء كثيرة حية في ذاكرتي و لكنها-للأسف- لن تعود.