إدارة عموم الزير...عبقرية الفساد - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

إدارة عموم الزير...عبقرية الفساد

المهمة الختامية لمساق"المساءلة والشفافية والمشاركة"

  نشر في 07 ديسمبر 2020 .

هل قضي عمر بن عبد العزيز علي الفقر بشكل نهائي خلال فترة حكمه القصيرة؟

أم أنه لم يقضي عليه، بل إن تقشفه وامتناعه شخصيا عن أخذ المال من بيت المال جعله قدوة للفقراء فاحتذو حذوه وتعففوا عن طلب أموال الزكاة؟

سؤال طرح بشكل عميق ويحتاج الي تمعن وإعادة قراءة الإدارة الاقتصادية لهذا الخليفة العظيم، هذا السؤال كان ضمن أسئلة ونقاشات كثيرة طرحت بالمساق الرائع ضمن سلسلة مساقات منصة معهد الفضاء المدني الذى اعتدنا على ارتيادها للمعرفة والتعلم عبر الإنترنت، فكان مساق"المساءلة والشفافية والمشاركة"عبر ثمانية أسابيع هي عمر المساق، رحلة معرفية نقدية وعصف ذهني لفترة حكم الخليفة عمر بن عبد العزيز من جانب التنمية والتطوير الحقيقي وتطبيق المساءلة والعدالة والنزاهة والشفافية والمشاركة الاجتماعية.

وفي هذا المقال الذي يعتبر بمثابة مهمة ختامية للمساق احاول تلخيص فكرة ونتاج مفهوم"المساءلة والشفافية والمشاركة"ولكن من خلال استعراض قصة وردت بشكل هزلي خالطها الخيال، ولكن عبرت بشكل كبير عن امتزاج الجمود الفكري مع الفساد الإداري وانعدام المساءلة والشفافية والنزاهة، فقد تكون الأفكار والنيات والبدايات حسنة ولكن عدم المساءلة والشفافية تؤدي إلى الفساد وإهدار المال والحقوق.

فقد روى الدكتور حسين مؤنس في قصة قصيرة نموذجا من نماذج الادارة سماها “ادارة عموم الزير” وملخص هذه القصة ان حاكماً عادلاً كان عائداً من جولة في بلاده في يوم قائظ ومعه وزيره وبعض حاشيته وبينما وهم يستريحون في ظلال صفصافة وارفة استرعى نظره سيل متصل من الناس يذهبون الى ضفة النهر يردون الماء ثم يصدرون, ولاحظ انهم يعانون في ذلك مشقة كبيرة, فامر بوضع زير ماء بحمالة وغطاء وبضعة اكواز تحت شجرة كبيرة, ودفع عشرة دنانير لشراء الزير على ان يتعاون مع اخر في ملء الزير, مرة بعد اخرى كي يشرب الناس, ومضى الحاكم في طريقة – ومرت الايام والشهور والاعوام, وذات ليلة رأى الحاكم في حديقة قصيرة زيراً صغيراً تحت شجرة فتذكر امر الزير الاول فسأل وزيره, فاخبره ان الفكرة قد طورت وعدلت وصارت شيئاً مهولاً يساير متطلبات الزمن – وعندما انكسر الزير امر الوزير باقامة بناء صغير يحمي هذا المرفق الشعبي ثم تطلب الامر بناء غرفتين يستريح فيهما العاملان – وتزويدهما باثاث بسيط لان هناك بعض المباني والاثاث للعهدة – وزودا بخزانة للوقود لان هناك رئيس قلم وكاتبين احدهما للشؤون المالية والثاني للعهدة- كما زود السلفة المالية لان الزير ربما ينكسر او يتلف الغطاء او يضيع الكوز – ولما زاد اقبال الناس على الشرب – وصار الزير ينكسر كثيراً حولت المأمورية الى ادارة – لها اربع ادارات فرعية – ادارة الفخار – مختصة بشؤون الزير, ادارة الحديد مختصة بالحماية, ادارة الخشب مختصة بالغطاء, ادارة الصفيح مختصة بالكوز, وهناك نية لانشاء ادارة للماء ولما ضاق مبنى ادارة الزير , وسع بزيادة طابقين كلفا حوالي مائة الف دينار, بالاضافة الى اربعين الف دينار لادارة عموم الزير كما اضيفت الان آلة لسحب الماء الى الزير, واوجب ذلك شراء سيارة خاصة للمدير العام – واثنين للتنقل السريع, وواحدة لنقل الماء حين تتعطل الالة, وصار للادارة , اتصالات مع دواوين الدولة, واصبح المدير يتصل مع الادارات المماثلة في العالم, واقتضى ذلك مخصصات اضافية للتنقل والهدايا وبما اننا نُدعى يجب ان ندعو بالمقابل للاطلاع على هذه التجربة الفريدة, ولكي تكون التجربة رائدة لا بد من استحداث مديرية للاحصاء, استحدثت اربع استمارات , واحدة بيضاء يملؤها الذي يمرون بالزير مصادفة ويشربون مرة واحدة ولا يعودون, واستمارة حمراء للذين يشربون مرة واحدة بانتظام واستمارة صفراء لمن يعتمدون على الزير في شربهم اما الرابعة فزرقاء ترسل الى الحاسب الالي, واظن ان الاستمارات والوانها مألوفة لدينا صفراء وخضراء وزرقاء وبيضاء , بعد هذا الوصف الشائق للمشروع اشتاق الحاكم ان يزور المنطقة ويعاين المكان بنفسه , عندما وصل وجد مبنى شاهقاً وحركة دائبة وحين استدعى المدير العام وجده في مؤتمر في الخارج لان موعد التنزيلات في تلك الدولة كان في ذلك الوقت وفي ادارة الخشب وجد غرفة مدير الخشب وغرفة السكرتير الخاص بالمدير وسكرتارية الادارة , والمكتب الفني وخبير الاخشاب ولاحظ كثرة المكاتب والموظفين والفراشي والاوراق والمراسلات ثم طرح السؤال المرتبط بالهدف “اين الزير” فقيل انه في الطابق الارضي, نزل اليه فوجد موظفاً رث الملابس فسأله اين الزير اجاب لقد ارسل منذ اربعة اشهر للاصلاح بعد ان قررت لجنة من الخبراء شكلها المدير العام من معاونين فاوصت باصلاحه “اذن – هذا كله …. ولا زير ” ردد الحاكم عبارته هذه – فاذا بالخادم الذي كان اول مرة قد كلف بالزير يقول – الزير ليس هنا منذ سنتين , وانني لا اتقاضى راتباً منذ سنتين ايضاً , انني اموت جوعاً، لماذا لم يصرف لك راتب؟ – لان لجنة التطوير قررت وضع اسس كيف تصرف الرواتب لمن هم على شاكلتك قال له فوراً اشتر زيراً وضعه تحت الشجرة التي كان تحتها , عندما وصلوا الى الشجرة وجدوها قد قطعت لان البناء اقيم فوقها وحين حاول زميل صابر منعهم من قطعها فصلوه لان الدماء الجديدة تقتضي ذلك شغلاً ومضموناً.

والقصة طويلة.. أحداث بعد ذلك عجيبة.. وفيها مغالات ومبالغة شديدة..

وفي آخرها انتبه (الوالي) والتفت للمسؤول وقال له: أما أنت يا صاحبي فقد انشأت كل هذا، وحملت ميزانية الدولة نفقات باهظة كي تخدعنا، وقد ضيعت الغرض الأساسي الذي توخيناه. هذا المبنى سيكون استخدامه لمصالح الناس، وأما هؤلاء الموظفون الذين عينتهم فأنت ملزم برواتبهم من مالك الخاص.. كما قررت لهم.. قال المسؤول: مالي لا يكفي.. قال (الوالي) إذا نفد مالك يأخذون رواتبهم من مال زوجتك، وأولادك واخواتك وأقاربك الذين أغنيتهم من مال الدولة.

وأمر الوالي وكيل المدير العام تنفيذ كل ذلك فوراً، واستعادة الأموال التي أنفقها مدير عام الإدارة العامة للزير في كل رحلاته السابقة - تلك الرحلات الملفقة المصطنعة.

خيل إلي وأنا أقرأ هذه القصة في نهايتها أن تصرف الوالي هو تصرف عمر بن عبد العزيز، فقد حقق العدل والمساواة برد الحقوق ومنع الاستحقاقات ونزعها من غير مستحقيها.

ان البناء والقانون والطريق والنفق والمدرسة والمسجد والمستشفى وكل المرافق هي لخدمة الانسان, الإدارة الصحيحة هي التي جعلت دول العالم تتقدم – وهي التي تؤخرنا لان ادارتنا ليست بالاهداف والنتائج بل بالعلاقات.

نعم توجد إدارات عموم الأزيار في بعض بلادنا العربية.. وما أكثر أزيارها الفارغة.

مجدي عبد الرحمن

رائد بمعهد الفضاء المدني



  • مجدى عبد الرحمن
    المدير التنفيذي للمعهد الديمقراطي المصري للتوعية بالحقوق الدستورية والقانونية رائد بمعهد الفضاء المدني عضو مؤسس بمنتدى الممارسة الافتراضية
   نشر في 07 ديسمبر 2020 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا