نتخبط في الحياة ولا ندري إلى أين نلجأ وإلى من نحتمي ؟ .. مع كل خطوة تقدم عليها أرجُلنا المُتذبذة تزداد الحيرة والإضطراب حيال طريقنا هذا .. طريقنا الذي قُدر علينا سيره وسلكه حتى النهاية , ولكن كم هو صعب , شاق , مؤلم وأحياناً قد يدفعنا للتوقف في يأس عن إستكماله والمضي فيه بنفس شجاعة لا ترهب شيئاً , ولكنه يفرض علينا السيطرة بين الحين والأخر فلا نجد مفراً منه ولا طريقة للإنسحاب حتى !! .. فما هو العمل ؟ ..إن وجدنا أقرب الأقربين يتنازل عنا بمنتصف طريق ودنا ويبتعد كأنه يرانا من أعداؤه الخطرة ! .. ما العمل إن زُلزلت الأرض من تحت أقدام إرادتنا وكانت على وشك التشقق وبلعنا في جوف اليأس والبلاده واللا إنسانية ؟ .. ما هو العمل إن رأيت الحياة على حقيقتها " فانــية " لا تستحق أن اُعيرها كل هذا الإهتمام والتسابق في الزوائل ؟ .. كيف سأحياها حتى وإن كانت زائلة وأنا وحيداً ؟ , وأنا قد إتخذت من نفسي ملاذاً من ضوضاء الحياة ومخلوقاتها ؟ .. لمن سألجأ حينها وقد تخلى عني أقرب المقربون ؟ , وأين سأجد الراحة والطُمأنينة التي قد سُلبت مني منذ عصور ؟ , يشغلني كل هذا وأنا في حيرة من أمري , ماذا أفعل وإلى أين أذهب ومن أين سأبدأ ؟ ..
من منا لم يسأل نفسه في لحظة صفاء نفسي ذات مرة عن مصدر الأمن والأمان الذي سيجعل لحياته المعنى ويمنحه ما كان ينقصه بل ويفيض عليه منه أضعاف ما كان يريد ؟ ..
الله .. ما لنا سواه , ما لنا ملاذاً من تلك الحياة بكل ما فيها سواه , هو خالقنا وإليه نعود , إن وجدت قلبك يراوده لحظة حزن وبعدها وجدت السعادة تدق على أبوابه فلا تتعجب من ذلك التحول المفاجئ الغير مُتوقع , فقد أنزل الله عليك رحمته , فهو أرحم الراحمين , كيف له أن يجد عبده الصادق المؤمن حزيناً يتفنن الحزن في إحداث ثقوب الضيق والسخط في حوائط قلبه التي كانت ولازالت صلبة قوية دون أن يبعث له نسمات من الراحة والأمان والإطمئنان متمثلة في رحمته .. إن مددت يدك إليه ونظرت نحو الأعلى فلا تحسب أن الأعلى لا يشعر بك ولن يستجيب لك تلك الدعوة التي مددت يدك له بها .. هو القدير المُجيب سبحانه وتعالى , فلا تتردد في ذلك وامدد يدك تضرعاً له , هو الذي يعلم ما نُخفيه في صدورنا وما نُعلنه , وهو الأعلم بما يضطرب به صدرك من ضيق وحزن وألم , فكن على يقين أنه في لحظة ما سيُمطر على قلبك الذي كان على وشك الخراب والدمار بكل سعادة , لم تكن لتأتي في حُسبانك أن تمتلكها حتى .. فهو الكريم ونحن الفقراء إليه ..
كلما زادت داخلك رغبة الإنتقام من شخصاً ما قد آذاك نفسياً وسلب من كرامتك كرامتها توقف ولا تندفع .. إلجأ إلى رب العالمين وأمدد له يدك وادعوه بكل ما يضيق به صدرك , وهو القادر أن يرد لك حقك المسلوب منك في غمضة عين , ودون أن تنجرف في طريق الشيطان الذي يفرشه لك بأشواك الشر إنتظر وأقرأ قوله تعالى :
( وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) .. " سورة النور "
فهي دعوة واضحة منه لنا أن نتسامح ونعفو ونصفح , وكانت نتيجة ذلك واضحة مثل دعوته لنا تماماً .. يغفر لنا وذلك هو الفوز الكبير الذي نريده جميعاً .. غفر الله لنا ولكم أجمعين ورحمنا برحمته الواسعة ..
وإن مررت بلحظة وجدت فيها صبرك قد بدأ في الإنهيار , وأنت الأخر على وشك أن تقع في شباك اليأس لما يراودك من لحظات تعسر شديد ولا تقوى على الصبر عليها من جديد وقد سرى في عروقك سم الجزع وعدم التحمل المُميت , إنتظر مرة أخرى , لحظة قد تفرق فيما ستسير عليه حياتك , إلجأ إلى الله وأنظر ماذا أمرنا في تلك اللحظة .. قال الله تعالى :
( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ) .. "سورة البقرة "
( وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ ) .. " سورة الرعد " ..
أرأيت ؟ .. إن صبرت على ما أصابك من خوف أو جوع أو إبتلاء مهما كان ستجد نتيجة ذلك مُكافئة من رب العالمين لك عن صبرك هذا .. رحمته ستنزل على قلبك لتغسله وتُعيده من جديد نظيفاً .. وفي الآية الثانية أنظر لنهايتها ونتيجتها وتمعن قليلاً .. ستكون المكافأة هي .. جنة الله .. وما أعظمها مكافئة .. جعل الله لنا مكاناً فيها مع المؤمنين الصادقين ..
وتذكر أخيراً .. قول الله تعالى :
( فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ) .. " سورة الشورى " ..
تلك الحياة لن تدوم , ونحن أول من لن يدوم , فنرجع إلى خالقنا رب العالمين ولكن أنت من يتحكم كيف سيعود له ؟ .. هل ستعود له وتدخل جنته فرحاً بعملك في تلك الحياة ؟ .. أم لا ؟ .. ومن كان لك اليوم جليساً فغداً قد لا تلقاه , ولكن الله وحده باقياً لك , في كل لحظات حياتك وحده الباقي لك , فلا تسرع لتجلس بالقرب من المخلوقين , بل سارع في القرب من خالقهم ورب العالمين .. حينها وفقط ستنتصر وتصبح من الفائزين ..