نفس الأمر يتكرر،نفس الأحرف تنتحر،نفس المقصلة تعدم الأنفس،كل ما في هذه اليلة ينبئ بالشؤم،تم نسياني من جديد أذكر تلك اليلة تماما..كنت بالمدرسة الصف الخامس،الساعة قاربت السابعة ولم يأتي أحد كل طفل إرتمى في حظن والديه ورحلو جميعا تاركين خلفهم صوت صياحهم الجماعي النافر،وركضهم الحيواني لأحضان ذويهم ككلاب مسعورة لم تنم منذ الطفولة..كنت أشمئز من ذالك،نقير أصواتهم وضحكهم يسبب لي التهكم، ما يدفعني للتساؤل ما المميز في حضن ذويهم ؟ثم أنقاد بتسلل أفكار تتراقص في الخيال موهمة نفسي بأن هناك صندوق في أحضان الكبار يفتح حين يلامسه الأطفال فقط يكون مملوئا بنور مشع والكثير من الأشياء الجميلة...لا أعرف ما هي ولا تسألني عنها لأنني حاولت جاهدة إكتشاف العلبة المخبئة داخل الماما والبابا لكنها كانت مغلقة!!
أظن ذالك لأنه كان باردا وباهتا ورماديا،لم يكن هناك لا حلوى ولا نور ولا ضوء مشع..كان..كان مجرد لحما وشحما وسطح بارد،غبار متراكم وحاولت عبثا أن أنفضه لكن دون جدوى كان متصلبا لذا كنت أكتفي بمجرد قبلة على الخد....
إتصلت بي أمي في نصف الطريق وأجبت بنفس لهفة الطفلة الجامحة لتلك البلبلة لكن مكالمتها فتحت سدا عميقا من محيطات العالم على ألسنة توقي ،أنا التي ظننت أنها تذكرتني..
_لديك نقود؟
_نعم
خذي سيارة أجرة إذا.. اليوم عيد ميلاد أخيك لا تنسي ذالك أحضري بعض الشكلاطة في طريقك....!
لم يثلج قلبي من هذه المكالمة سوى المصابيح المشتعلة في الطريق..مضيئة وبعيدة...تماما كالجنة.
الساعة الان السادسة ونصف ،لازالت الحركة مشتعلة في أفواه الثعابين السوداء،المصابيح تمدني بدفئ حتى وإن كان وهم والأبنية العالية تحمي العالم من رؤية وطائة وخيبة تسير في كونها،المارة لا تهتم ولا هي تهم!ربما عجوز عاكف أمام الدكان يدخن سيجارة تستنشق من روحه أخر قطرات شبابه وتعد تنازليا نحنو الجحيم.
لكنه يشبهه ..نفس الرجل تلك الليلة صاحب الدكان الصغير والمصباح الوحيد المتدلي من السقف كان ذالك أكثر ما يشدني حين أدخل الدكان مع والدي...المصباح، كنت منبهرة به بغباء...أظن أن عقلي من يتدلى الآن...نفس التقاسيم ،نفس الهيئة،وأكاد أجزم انه نفس العجوز !!تلك اليلة قبل عشر سنوات بكيت كثيرا يا أمي بشدة كنت أرفض الواقع! نسيتني... وأنت في المنزل مع اخوتي ربما تأكلين الطعام بدوني!!كيف ذالك كيف تنسى الأم صغيرها هذه غريزة هذا حقي عليك !!هذه خطيئة!وبالتفكير الان أظننا نعطي للأمهات قيمة مضافة ومضخمة و ننفي عنهم الخطأ ونمجدهم أكثر مما ينبغي!لا علينا لن أصير أما على كل حال...أذكر أيضا أن كلبا أشفق علي وشعر بمذلتي أمامه جاء ووقف بجانبي لم أخف منه لكن أردت التخلص منه كان ذليلا حتى الكلب أشفق علي!سحقا للشفقة...مضت قرابة ساعة ولم يأتي أحد دموعي لم تجف وهرعت لصاحب المتجر كان يعرف والدي لذا إتصل به لم يكن هناك أيّ دراما .
أغلقت الباب هناك ،الساعة كانت دهرا،أن تقنع طفلا بأنك لم تنسه بل إنشغلت عنه عذر أقبح من ذنب،أغلقت الزمن هناك في تلك اللحظة لم أعد أسمع العقارب تدق...
إنها السابعة ونصف لم أخذ سيارة أجرة قررت العودة للمنزل على قدمي عمدا ربما لكي أتمرد أو أثبت شيئا لا اعلم ماهو...الدموع التي سالت على وجهي مزيج من الألوان المختلطة تشبه رسوم فان غوخ وهو تائه وضائع،هذه الألوان
وظبتها كفنتها بكفن أسود وألقيت بها في الهامش!! في الهاوية!!أردت أن تحترق الشموع لليلة...المسرحية إنتهت قبل أن تبدأ والدي ماهر بقلب موازين السعادة،أخي محتجز بالغرفة...أشعر بالحجر عالق بمعدتي أخبرني أحدهم بأني إن سقطت سأسقط كنيزك!هذا جميل بمأساوية لكني في ذات وقت أكون أمنية وفي ذات سأتحطم،سأتدمرو أتناثر إلى أشلاء وأفني بعضي ببعض،أطفأت الشموع..
الساعة الثامنة إلا ربع من مساء لم يُعَنون...الزمن لن يكتب.....قصة مخطوطة بالقطران في جسدي....لن أكتب من كلماتها حرفا....شخصياتها ضائعة لعائلة خارجة عن المعقول..
_أمي
"لسنا عائلة متعودة على الإحتفلات"
_أختي
«نحن عائلة جعلت لتقّبل عزاء الميت....»
.....
صمت....المسرحية ألغيت...الشموع إنطفأت لنمجد بعض الأسود.!!!...عائلتي تقدس طقوس الموت والسعادة تشائم البيت..