وسط كل الصخب الدائر من حولي بين انتصارات و انكسارات، نجاحات و خيبات، آلام و احلام. لا أزال أقف بهدوء في تلك المحطة. أتدرون! انا أقف هناك منذ سنين. حيثما اذهب، أعود دائما آخر كل يوم مثقلة بقصص و احداث جديدة لأقف هناك مجددا . احيانا اتعب و اكره الانتظار فانتهي بشتم المكان و الزمان و الغائبين ثم اتوعد و أتعهد ان لا أعود الى تلك المحطة اللعينة مرة اخرى. لم أفلح في ذلك ولم أفي يوما بذلك العهد. كيف عساني أفلح و أنا من رتب موعدا في تلك المحطة المهجورة! كيف اخلف موعدي مع ذلك الغائب الأحمق الذي لا يعلم حتى بأن له موعدا هناك! او ربما يعلم! قرأت مرة لمحمد درويش كلمات يقول فيها :"انت الغائب الذي لا يأتي و انا المشتاق الذي لا ينسى." تسائلت بعدها : أكان لدرويش محطة كتلك التي أقف فيها؟ اكلكم تملكون واحدة؟ كيف هي محطاتكم؟ هواتف تنتظرون أن ترن، مواقع تنتظرون فيها رسالة تصل أم لقاءات في صدفة قد تحصل! أيقضي جميعكم يومه في رحى الحياة ليعود في آخره لذلك المكان؟ أيقدم غائبوكم مواعيد هناك أم تحضرون مواعيدا تعلمون جيدا انها اوهام من نسج شوق بعضكم، حنين بعضكم الاخر أو حتى أحلام تمنى بعضكم تحقيقها؟ حتى درويش أيقن انها اوهام و أن هؤلاء الغائبين لم و لن يحضروا يوما.
اظن ان الوقت قد حان للمغادرة، فلنترك محطات خيباتنا تلك فغائبونا قد نزلوا في محطات غيرها، و ذهبوا للقاء غيرنا. فلنغادر مودعين احلامنا، آمالنا و حتى اوهامنا الغبية تلك. دعونا نبكيها لآخر مرة بحرقة سنين الانتظار و خيبة الفراق. فلنتفق أن لا نأخذ شيئا منهم معنا فلنترك اسماءهم، كلماتهم، ابتساماتهم و نظراتهم ولنهرب منهم بعيدا ولانلتفت حتى لبرهة خلفنا.
يقولون أن النسيان نعمة للإنسان لكن لا أظن أن الجميع قد رزقها . مع ذلك فلنمضي بعيدا جميعنا و ليدق كل منا على قلبه بقوة!
-
سراب عابرwriter
التعليقات
دمت و دام سحر قلمك ..