رؤى الحجاز

فيصل البكري

كما هو معروف بأن الكِتاب هو الوعاء الجامع والشامل لكافة مكونات الثقافة وهو الوسيلة الأولى لتثقيف وتعليم الفرد.

وتعتبر "دار النشر والتوزيع" هي مؤسسة تتولى طبع وتوزيع الكُتب والصحف وتدير عملية النشر بين المؤلف والطابع والموزع. وهي المسؤولة في المقام الأول بتحويل المادة العلمية "للمؤلف" إلى كيان مادي قابل للتداول بين الناس في شكل نُسخ متعددة تهدف إلى توصيلها للقارئ مباشرة أو من خلال المكتبات ونقاط التوزيع المنتشرة في أرجاء الوطن.

يحصل "الناشر" على إثرها ربحه سواء كان مناصفة مع المؤلف أقل أوأكثر.

فيما نجد أشخاص "إعتباريين" يسعوا بكل الطرق اللحاق بركب الشهرة على حساب ومجهودات الكُتاب والمؤرخين لنقش اسمائهم في منطقة كانت ملتقى للكُتاب والأدباء والمؤرخين على مدى قرون من الزمان.!

فأنا واحدآ من الكُتاب والمؤرخين الذي تزخر بهم بلادنا. وعند إقامة مهرجان جدة عام ١٤٣٦هـ. قمت بزيارة المنطقة التاريخية بناء على دعوة خاصة وإتصال مباشر من قبل أصحاب الشركة المنظمة.

تقابلت صدفة أثناء زيارتي بصاحب إحدى المكتبات الموجودة في المنطقة والذي أبدى رغبته في طباعة إحدى مؤلفاتي. ومنها كتاب يخص "تاريخ مدينة جدة" والأخر قصة أدبية قصيرة.

وبعد أن شرح لنا مشكورآ عن أنشطة مؤسسته في المنطقة ومن ضمنها دار نشر وتوزيع تابعة له. معنية بطباعة ونشر كل ما يتعلق بتاريخ وإرث وتراث عروس البحر.

فبعد ما فرش لنا مالك تلك المكتبة الطريق ورودآ وياسمين بقدراته وإمكانياته على طباعة مؤلفاتي وتوزيعها لكافة مناطق المملكة كما هو حال باقي دور النشر. وأبلغني بأن من أهدافه وسياساته المشاركات في معارض الكِتاب المقامة في الوطن العربي - الخ

أبلغته حينها بأن إهتمامي ينصب في إنتشار مؤلفاتي دون النظر للمردود المادي منها. وعلى ذلك أنهينا اللقاء.

عند توقيع العقد في مكتبه كتبتُ ورقة بخط يدي أستلمها مدير مكتبه المصري الجنسية. عن تنازلي الكامل لحصتي البالغة (٥٠٪؜) لصالح الأيتام وقاطني أربطة المنطقة التاريخية.

لكن تفاجأت بعد عام من إصدار مؤلفاتي والكثير من كُتب المؤلفين والمؤرخين قابعة في "صومعة" ذالگ "الناشر" على أرفف مكتبته التي لا تتعدى أمتارآ داخل إحدى حارات المنطقة التاريخية المسكونة بالأشباح طوال العام. والتي يصعب الوصول إليها من قبل قاصديها بسبب بعدها عن الشارع العام وعدم وصول السيارات إليها لمنعها من قبل الجهات المعنية بالمنطقة التاريخية.!

فإذا ما رغب قارئ في إقتناء إحدى الكتب فلن يجدها في أي مكتبة في جدة

أو في أي مدينة من مدن بلادنا.

فما بال تواجدها في الدول المجاورة!

وبعد "سبعة أعوام عجاف" بالتمام والكمال من رمضان ١٤٣٧هـ. إلى رمضان ١٤٤٤هـ. لم أتفاجئ. بل صُدم الأصدقاء والأقرباء حينما وصل لنا تقريرآ بتاريخ ٢٧ رمضان ١٤٤٤هـ. من دار النشر والتوزيع التابعة لتلگ الشخصية التي أخلت بالعهود والوعود. يفيدنا بأن لنا في ذمتهم طوال السبعة أعوام مبلغ وقدره (٢١٠) ريال عربي سعودي.!!!

نعم يا سادة... مبلغ مئتان وعشرة ريالآ.! بعد ما تم خصم تكلفة طباعة كامل عدد النسخ والبالغة "١٠٠٠" كتاب دفعة واحدة.!؟ ولم يكن الخصم عن عدد المباع من  نُسخ  الكتاب.!

مع حصولهم على نسبة مصاريف (٢٠٪؜) لصالح "المكتبة" ليظهر لنا مدى جشاعة تلگ "الدار" التي أعتبرها فاشلة بكل المقاييس.

فيما جاء في "التقرير" بأن تكلفة طباعة الكتاب الواحد بمبلغ (١٩) ريال. ولدي عرض سعر في نفس تاريخ الإصدار بسعر (٦) ريال.!

ومما أبطئ تداول كُتب المؤلفين للقارئ هو إنعدام الخبرة وسوء الإدارة في التوزيع والتسويق والسعر الغير منطقي الذي وضعته "دار النشر والتوزيع".!

فلو وضع المؤلف كُتبه في "بسطة" داخل سوق العلوي لتمكن من بيعها أكثر. وسلمْ من الوعود الزائفة.

لا أعلم هل أحزن أولا ؟

أم يسبق حزني ضحكة لا يشعر بإصفرارها غيري بما آلت إليه عهود صاحب دار النشر والتوزيع تگ .!؟

وقد يكون حال غيري من الكُتاب والمؤرخين مثلما هو حالي بعد ما تبخرت أحلامهم وجهودهم وأوقاتهم ومتاعب عُشر مما يعانيه كل واحدٍ منهم. لينكشف ما يدور في مخيلته من معاني ومقاصد. كان يتمنى أن تصل مؤلفاته لنهاية سعيدة بإنتشارها في كافة أرجاء الوطن. معتبرآ بأن أغلى مكاسب العُمر لديه حينما تقف ذاكرته بمحطات عزيزة على قلبهِ يكتشف يومآ بعد يوم أن مؤلفاته كنوزآ في رصيد حياته ومصدرآ من مصادر رزقه الوحيد.  فيصبح من بعدها متألمآ بإنتكاسة صحية لأنه وجد دار النشر والتوزيع التي فرشت له الطريق ورودآ  وعهودآ "مقبرة لمجهوداته وجل أفكاره" والله الموفق...