هناك فرق بين اعتقادك عن شكلك وشكلك الحقيقي، المثير في الأمر أن اعتقادك عن شكلك يؤثر في شكلك الحقيقي. ما يعني : أنك إذا كنت ترى نفسك جميلا، تزداد جمالا كإبرازك لذاتك. وإذا كنت ترى نفسك قبيحا، تزداد بشاعة طالما أنك تلغي جوانبك الجمالية. انتهى الأمر حيث تؤتي مقولة سنيكا الإبن مفعولها هنا "ما تعتقده عن نفسك أهمّ مما يعتقده الآخرون عنك". المؤثّر في القضية أن الواحد قد يتنازل عن القيام بأمور معينة لاعتقاده بأنه ليس بالجمال الكافي، أو بأنه أقبح من أن يحصل على ما يريد. وهو ما يرتبط مباشرة ورمزيا بالوحش المنسحب في المغارة. والمغارة هي الاكتئاب أو اليأس أو أي شيء "أكحل أزحل يظلّم الدنيا في وشك" ! وبما أن مطلق الجمال يرتبط بالحسناء، الغريب في الأمر، هو حينما تقول للحسناء "إني أحبك"، تتساءل بخجل ماكر وكبرياء "ماذا أعجبك في ؟" (ما يعني لما أنا بالضبط وهناك من هن أفضل وأجمل مني؟) ـ إلى متى ستظلين هبلة.. ألم يقع ببالك أنه لم يكن ليهتم بك من الأساس لولا أنك مثيرة له !
الموقف لا يتوقف هنا، بل يسيح حتى الشبكات الافتراضية : حيث يتم استبطان حكم مقارن للذات من خلال اللايك : طالما أن صوره أو صورها تحصل على لايكات أكثر مني، فهي أجمل مني.. ينعل أبو الفيسبوك وإنستاغرام !
في قصة سنوايت، الملكة الفاتنة بكامل قواها العقلية، تظل طوال اليوم واقفة أمام المرآة تسألها : "من أجمل من في الكون يا مرآتي؟"، واضعة الحقيرة عقلها المعطوب في فلّة مراهقة مْعفّنة لا تزال تتسابق مع الأقزام في الغابة !
فينوس آلهة الجمال بأمبراطورية روما، تنزل من السماء بكل هيبتها وبهائها وكبريائها وموكبها، للبحث عن "بسيكي" أنثى عادية تعاني من مشاكل الشعر والعرق والحكة وتغيير فوطة الدورة الشهرية، لأجل تشويه وجهها لأن الناس قالوا بأن بسيكي تشبه فينوس بجمالها ! وانهارت بالبكاء حينما أخبرها ابنها كيوبيد بأن بسيكي أجمل منها هي نفسها !
فقط لنتذكر قصة الضفدع الحزين الذي ظل ينتظر قبلة من ابنة الملك الطائشة ليشعر بأنه أمير (طالما الأمير غالبا جميل)، وقصة البجعة المسحورة في سمفونية تشايكوفسكي وهي تنتظر أن يحبها الأمير لتشعر بدلال الأنوثة.. هكذا غالبية الناس يشعرون بأنهم ضفادع وبجعات، في انتظار أمير(ة) تطبب على مظاهرهم المنفرة ونفسياتهم "اللي تْسد النفس" !
الجمال والقبح، مفهومان فلسفيان ليس لهما مقاييس محددة، الجمال والقبح إحساسان يكمنان في الرؤية، سواء في رؤيتك أو رؤية الآخر لك. فمن لا يرغب بأن يراك جميلا، ليس لدينا ما نفعله لأجله، ليعذرنا فقط، نحن آسفون ! ومن رآك جميلا "كثر خيرو أديش هو طيّب".
الجمال والقبح يكمنان في التفاصيل،
من يحبك ومن يكرهك، يُعنيان بالتفاصيل
في اللامبالاة تجاهل لتلك التفاصيل،
في الكره تعامي عن جمال التفاصيل،
فقط الحب يهتم بجمال وقبح التفاصيل، بكليتك، مجزءاً، متجمّعاً
أنت جميل لمن يحبك، بقبحك...
في الحب قبحك مُكوّن من مكونات جمالك الخاص
فليس غير الحب يهتم حقاً بالتفاصيل !
في الإعجاب تدرك أن الآخر يصبح أجمل حين يتجمّل، في الحب لا تحتاج لإدراك، هو دائما أجمل في عينك !
التعليقات
اسمحوا لي أن أُطلعكم على بعض تجاربي في هذا الموضوع يا أعزائي القرّاء الكرام:
ذات مرّة اجتمعت بشخص ممّن يعدّهم الناس من غير ذوي الجمال، ولأكن صريحاً كان يعد من ذوي الأشكال المائلة إلى القبح. كان أحد معارف صديق لي. جلست إليه ساعة من الزمن أدهشني ما لاحظته فيها من تبجيل كل من يمرّ به له، وإعظام قدره، وإبداء الاشتياق إليه. وحثّني الفضول على أن أسأل صديقي عن السرّ الّذي يحمله هذا الرجل، الّذي يحبّب إليه الناس إلى هذه الدرجة رغم دمامة خلقته.
أجابني صديقي: إنّ هذا الرجل جميل اللسان والخُلُق إلى حد كبير، حكيم يزنُ كلامه قبل أن ينطق به، وليس كثير الكلام، ولا ينتقي من الكلام والفعل إلا أفضلهما، محبّ للناس عطوف عليهم رفيق بهم، ليّن معهم. وعتب عليّ أن ذكرت دمامة خلقة الرجل ثم قال لي: أراهن أنّك لن تعاشره أكثر من شهر حتّى تنقلب دمامته في نظرك حُسناً.
ولا شكّ أنّ أغلبنا صادف يوماً شخصاً ذا جمال فائق ينفر الناس منه بسبب تعاليه وتكبّره بجماله عليهم، فينقلب جماله في أعينهم قبحاً.
وبعد التجارب التي مررت بها لم يعد مظهر الإنسان مهماً عندي، فكم من جميل قبيح فعله، وكم من قبيح جميل فعله. وكم من جميل مرّ المعشر، وكم من قبيح حلو المعشر.
لدي سؤال كيف نزيد من الاعتقاد بجمالية الذات هل لذلك علاقة بماهية الفرد ؟
هل الإحساس بالجمال متعلق بنظرة الاخر لنا ؟