الجمال والقبح ليسا مقاييس، إنما اعتقادات - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

الجمال والقبح ليسا مقاييس، إنما اعتقادات

  نشر في 16 شتنبر 2015 .

هناك فرق بين اعتقادك عن شكلك وشكلك الحقيقي، المثير في الأمر أن اعتقادك عن شكلك يؤثر في شكلك الحقيقي. ما يعني : أنك إذا كنت ترى نفسك جميلا، تزداد جمالا كإبرازك لذاتك. وإذا كنت ترى نفسك قبيحا، تزداد بشاعة طالما أنك تلغي جوانبك الجمالية. انتهى الأمر حيث تؤتي مقولة سنيكا الإبن مفعولها هنا "ما تعتقده عن نفسك أهمّ مما يعتقده الآخرون عنك". المؤثّر في القضية أن الواحد قد يتنازل عن القيام بأمور معينة لاعتقاده بأنه ليس بالجمال الكافي، أو بأنه أقبح من أن يحصل على ما يريد. وهو ما يرتبط مباشرة ورمزيا بالوحش المنسحب في المغارة. والمغارة هي الاكتئاب أو اليأس أو أي شيء "أكحل أزحل يظلّم الدنيا في وشك" ! وبما أن مطلق الجمال يرتبط بالحسناء، الغريب في الأمر، هو حينما تقول للحسناء "إني أحبك"، تتساءل بخجل ماكر وكبرياء "ماذا أعجبك في ؟" (ما يعني لما أنا بالضبط وهناك من هن أفضل وأجمل مني؟) ـ إلى متى ستظلين هبلة.. ألم يقع ببالك أنه لم يكن ليهتم بك من الأساس لولا أنك مثيرة له !

الموقف لا يتوقف هنا، بل يسيح حتى الشبكات الافتراضية : حيث يتم استبطان حكم مقارن للذات من خلال اللايك : طالما أن صوره أو صورها تحصل على لايكات أكثر مني، فهي أجمل مني.. ينعل أبو الفيسبوك وإنستاغرام !

في قصة سنوايت، الملكة الفاتنة بكامل قواها العقلية، تظل طوال اليوم واقفة أمام المرآة تسألها : "من أجمل من في الكون يا مرآتي؟"، واضعة الحقيرة عقلها المعطوب في فلّة مراهقة مْعفّنة لا تزال تتسابق مع الأقزام في الغابة !

فينوس آلهة الجمال بأمبراطورية روما، تنزل من السماء بكل هيبتها وبهائها وكبريائها وموكبها، للبحث عن "بسيكي" أنثى عادية تعاني من مشاكل الشعر والعرق والحكة وتغيير فوطة الدورة الشهرية، لأجل تشويه وجهها لأن الناس قالوا بأن بسيكي تشبه فينوس بجمالها ! وانهارت بالبكاء حينما أخبرها ابنها كيوبيد بأن بسيكي أجمل منها هي نفسها !

فقط لنتذكر قصة الضفدع الحزين الذي ظل ينتظر قبلة من ابنة الملك الطائشة ليشعر بأنه أمير (طالما الأمير غالبا جميل)، وقصة البجعة المسحورة في سمفونية تشايكوفسكي وهي تنتظر أن يحبها الأمير لتشعر بدلال الأنوثة.. هكذا غالبية الناس يشعرون بأنهم ضفادع وبجعات، في انتظار أمير(ة) تطبب على مظاهرهم المنفرة ونفسياتهم "اللي تْسد النفس" !

الجمال والقبح، مفهومان فلسفيان ليس لهما مقاييس محددة، الجمال والقبح إحساسان يكمنان في الرؤية، سواء في رؤيتك أو رؤية الآخر لك. فمن لا يرغب بأن يراك جميلا، ليس لدينا ما نفعله لأجله، ليعذرنا فقط، نحن آسفون ! ومن رآك جميلا "كثر خيرو أديش هو طيّب".

الجمال والقبح يكمنان في التفاصيل،

من يحبك ومن يكرهك، يُعنيان بالتفاصيل

في اللامبالاة تجاهل لتلك التفاصيل،

في الكره تعامي عن جمال التفاصيل،

فقط الحب يهتم بجمال وقبح التفاصيل، بكليتك، مجزءاً، متجمّعاً

أنت جميل لمن يحبك، بقبحك...

في الحب قبحك مُكوّن من مكونات جمالك الخاص

فليس غير الحب يهتم حقاً بالتفاصيل !

في الإعجاب تدرك أن الآخر يصبح أجمل حين يتجمّل، في الحب لا تحتاج لإدراك، هو دائما أجمل في عينك !


  • 15

   نشر في 16 شتنبر 2015 .

التعليقات

علي العربي منذ 6 سنة
أصبت أيّها الكاتب، أحسنت.
اسمحوا لي أن أُطلعكم على بعض تجاربي في هذا الموضوع يا أعزائي القرّاء الكرام:
ذات مرّة اجتمعت بشخص ممّن يعدّهم الناس من غير ذوي الجمال، ولأكن صريحاً كان يعد من ذوي الأشكال المائلة إلى القبح. كان أحد معارف صديق لي. جلست إليه ساعة من الزمن أدهشني ما لاحظته فيها من تبجيل كل من يمرّ به له، وإعظام قدره، وإبداء الاشتياق إليه. وحثّني الفضول على أن أسأل صديقي عن السرّ الّذي يحمله هذا الرجل، الّذي يحبّب إليه الناس إلى هذه الدرجة رغم دمامة خلقته.
أجابني صديقي: إنّ هذا الرجل جميل اللسان والخُلُق إلى حد كبير، حكيم يزنُ كلامه قبل أن ينطق به، وليس كثير الكلام، ولا ينتقي من الكلام والفعل إلا أفضلهما، محبّ للناس عطوف عليهم رفيق بهم، ليّن معهم. وعتب عليّ أن ذكرت دمامة خلقة الرجل ثم قال لي: أراهن أنّك لن تعاشره أكثر من شهر حتّى تنقلب دمامته في نظرك حُسناً.
ولا شكّ أنّ أغلبنا صادف يوماً شخصاً ذا جمال فائق ينفر الناس منه بسبب تعاليه وتكبّره بجماله عليهم، فينقلب جماله في أعينهم قبحاً.
وبعد التجارب التي مررت بها لم يعد مظهر الإنسان مهماً عندي، فكم من جميل قبيح فعله، وكم من قبيح جميل فعله. وكم من جميل مرّ المعشر، وكم من قبيح حلو المعشر.
0
مشكور يا سيد حمودة ، سامحني إن ابديت رأيا مخالفا لرأيك وارجو ان ترى في الاختلاف جمالا وليس كرها ، اعتقد بأن هنالك حقيقة شيء جميل وشيء اجمل وربما تتدنى مراتب الجمال الى اقل درجة ولكن الجمال يتفاوت، فهناك جمال شكلي وجمال معنوي وهناك من يجمعهما معا ، فترة الشباب كلها جمال سواء كان مقدار جمال المظهر او الشكل الخارجي قليل او كثير ، ففيها أي الشباب نضارة من نوع خاص كما لاوراق النباتات عند بداية نموها يكون لها بريقا مميز ، للجمال الشكلي تأثير يمكن تغييره وهو اسهل من التغيير الداخلي المعنوي ، التأثير الخارجي تلجأ إليه اكثر النساء ، وبه تحاول ان تجد قبولا لدى الاخرين والقبول هو احترام وحب وتقدير ، ولهذا ترى الفتاة تحاول ان تزداد جمال بالاستعارة اللونية الاصطناعية من رموش أي شدو او احمر الشفاه او رموش إضافية توسيع العين بالألوان او حشي الجسد بالبلاستيك لتضخيم او شفط الدهون لتبدوا اقل وزنا وخفة ، وبهذا المنحنى نتوصل الى ان مفهوم الجمال يتأثر بما تبثه لنا الفضائيات والقناوات والمجلات والمسلسلات والأفلام ، فهي التي تشكل لدينا الفكر اليوم بينما الجمال المعنوي وهو مكلف اكثر وهو داخلي وهو حقيقة الحب ، فالجمال الخارجي مظهر إذا انقطع الضوء عنه غاب لا يتم ادراكه ، ولكن الجمال المعنوي وهو الاخلاق والصفات والتعامل وهي أمور معنوية تدوم إذا انقط النور وتبقى تشعر بها ، فنحن انا وانت الان نحب بعضنا ليس لجمالنا فنحن لم نشاهد الشكل الخارجي بل نقرأ حروف فكرنا واثر الحياة فينا .
0
مريم مريم منذ 7 سنة
الله... فعلا من يحبك صدقا سيراك جميلا في أبشع حالتك أو لم يقل الحبيب لحبيبته "تبدين أجمل حينما تبكين" الحب الصادق يجعلنا نتعامى عن قبح الشكل و حتى عن عيوب الشخصية بل و قد يجعلنا نظن بأن هاته العيوب في ذاك الشخص هي التي جعلته متميزا في أعيننا,تماما كما تفضلت وقلت "في الحب قبحك مُكوّن من مكونات جمالك الخاص"
1
مقال وأسلوب شيق كعادتك أستاذ حمودة
لدي سؤال كيف نزيد من الاعتقاد بجمالية الذات هل لذلك علاقة بماهية الفرد ؟
هل الإحساس بالجمال متعلق بنظرة الاخر لنا ؟
3
مريم مريم
فيما أعتقد أخي أن السر كله يكمن في الحب، إن أحببنا أنفسنا حبا من دون شروط سنراها جميلة بالرغم من كل العيوب و بهذا لن يحرك كلام الآخرين و نظرتهم لنا ساكنا فينا.

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا