قراءة تاريخية في فكر قاسم أمين "1" - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

قراءة تاريخية في فكر قاسم أمين "1"

المرحلة الأولى "في صحبة الإمام محمد عبده"

  نشر في 06 ديسمبر 2015  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .


لم تكن دعوة قاسم أمين إلى تحرير المرأة مجرد فكرة عابرة طرأت على ذهنه فدفعته دفعا إلى إتخاذ القرار بالسير في هذا المنعطف بل إنطلقت دعوته كنتاج طبيعي لما مر به من مراحل فكرية متباينة تأثر بها وأثر فيها فتمخضت عنها تلك الدعوة التي كانت وما زالت مثار جدل دائم في أوساط علماء الدين وأهل الفكر.

المرحلة الأولى:

بدأت  تلك المرحلة حين سافر قاسم أمين إلى فرنسا ليتم تعليمه هناك وانبهر بالحياة في أوروبا وتوطدت علاقته بزميلة فرنسية تدعى "سلافا" كان لها الفضل في التعرف على الثقافة الفرنسية والإلمام بها حيث صحبته إلى المجتمعات الفرنسية والحفلات الصاخبة وبينما كان يقرأ في مصر "مقدمة بن خلدون" وإحياء علوم الدين" للغزالي نجده في فرنسا يقرأ مع زميلته حكم"لارشفوكو" وشعر "لامارتين" وفلسفة "فنلون" و"رينان" وأعمال"فولتير" و"روسو" و"سبنسر" وغيرهم.

وشاء القدر أن يلتقي قاسم أمين في فرنسا بالشيخين جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ويقرر الإنضمام إلى جمعية "العروة الوثقى" التي أسسها الشيخان واتخذه محمد عبده مترجما له وبعد ان أتم دراسته بفرنسا طلب إليه أستاذه "ارنود" أن يعمل معه بضعة شهور يكتسب فيها خبرات عملية ووافق قاسم أمين..وقد كانت لتلك المرحلة أثر بالغ في تغيير فكر قاسم أمين وقلبه رأسا على عقب خاصة بعد ما رأى وعايش تلك الحضارة الغربية التي أبهره تقدمها ورقيها آنذاك إلى الحد الذي جعله يتغافل عما أصابها من جوانب سيئة وما شابها من معتقدات وتقاليد تخالف الشرع الحنيف وما تعارف عليه المجتمع الشرقي من قيم وأخلاقيات نشأ وترعرع عليها ولاريب أن مصاحبته لكلا الشيخين محمد عبده وجمال الدين الأفغاني قد أضفت صبغة شرعية تأثرت هي الأخرى بتلك الثقافة الغربية والتي بدت واضحة في كتابه"تحرير المرأة" حيث قال "داوود بركات" رئيس تحرير الأهرام ( وقد حمل الشيخ محمد عبده الدعوة إلى تحرير المرأة في دروسه في الرواق العباسي بالأزهر حين أعلن أن الرجل والمرأة يتساويان عند الله تعالى وقد ترددت آراء كثيرة بأن الشيخ محمد عبده كتب بعض فصول الكتاب أو كان له دور في مراجعتها).

ومما أورده أحمد لطفي السيد في مذكراته أنه اجتمع في جنيف عام1897 بالشيخ محمد عبده وقاسم أمين وسعد زغلول وأن قاسم أمين أخذ يتلو عليه فقرات من كتاب "تحرير المرأة" وصفت بأنها تنم عن أسلوب الشيخ محمد عبده.

كما ورد أيضا قوله ( والمعروف عن الشيخ محمد عبده أنه كان يملي الأفكار ويوجه إليها أكثر مما يكتب هكذا فعل مع قاسم أمين ومع أشهر تلاميذه في مجال الإصلاح الإسلامي السيد "رشيد رضا).

وددت أن أوضح لقارئي الكريم تلك العلاقة الوطيدة التي جمعت بين كلا من "قاسم أمين" وأستاذه الشيخ محمد عبده والتي كان لها بالغ الأثر في تشكيل فكر محرر المرأة في تلك المرحلة الهامة والتي شهدت أولى مواجهاته الفكرية مع الدوق داركير.

لكن من هو الدوق داركير؟

هو أحد السائحين الذي زار مصر ثلاث مرات عابرا في خريف عام 1893 وقد ألف كتاب "المرأة في الشرق" هاجم فيه الإسلام وتطاول على الحجاب وأساء إلى المصريين فوقع ذلك في قلب قاسم وقعا شديدا وقد قيل أنه مرض عشرة أيام بعد قراءته لشدة تأثره فألف ردا بالفرنسية في كتاب أسماه "المصريون" حاول فيه الدفاع عن الإسلام وتفنيد إتهامات الدوق داركير لمصر والمصريين وبين فيه فضائل الإسلام على المرأة المصرية ورفع من شأن الحجاب واعتبره دليلا على كمالها وحاول شرح الحكمة الإيجابية في قوانين الشرع الإسلامي إلا أن دفاعه غلبت عليه النزعة الغربية التي اكتسبها أثناء دراسته بفرنسا كنتيجة طبيعية عن إنبهاره بتلك الحضارة المهيبة التي قال عنها أستاذه محمد عبده " وجدت إسلاما ولم أجد مسلمين ، وعن مصر قال :ووجدت مسلمين ولم أجد إسلاما".

فلوحظ في رد قاسم على الدوق داركير خنوعا واضحا حيث ذكر وكأنه يناشده أن يعتبر الإسلام في مرتبة "النصرانية" و"المجوسية فقال (إن الإسلام دين خلقي لا يقل عن المجوسية ولا عن المسيحية وإن روح القرآن لاتختلف عن الروح الإنجيلية) وذكر أيضا ( ولهذا كان أمامها أي مصر طريقان العودة إلى تقاليد الإسلام أو محاكاة أوروبا وقد إختارت الطريق الثاني إنها خطت اليوم بعيدا في هذا الطريق حتى ليصعب عليها الإرتداد عنه ،إن مصر تحولت إلى بلد أوروبي بطريقة تثير الدهشة وقد أخذت إدارتها وأبنيتها وآثارها وشوارعها وعاداتها وأدبها وذوقها وغذاؤها وثيابها تتسم كلها بطابع أوروبي..لقد إعتاد المصريون قضاء الصيف في أوروبا كما أعتاد الأوروبيون قضاء الشتاء في مصر فلعل أوروبا تقدر لمصر وسيرتها ولعلها ترد لها يوما بعض هذا الود الكبير الذي تكنه لها مصر).

وجدير بالذكر أن قاسما استنكر في كتابه "المصريون" خطة بعض السيدات المصريات اللاتي يتشبهن بالأوروبيات فاقتنص بعض خصومه الفرصة ووشوا به إلى الأميرة نازلي مدعين أن قاسما يعنيها هي بهذا التعريض الذي يذم فيه المصريات التي تقلدن الأوروبيات ويسرن على نهجهن لأنه لم يكن في نساء مصر آنذاك من يتشبه بالأوروبيات سواها حيث كانت الأميرة نازلي فاضل صاحبة أول صالون نسائي عربى فى القرن التاسع عشر فقد كانت الوحيدة التي تختلط بالرجال وتجالسهم في صالونها التي إفتتحته للمناقشة في قضايا مختلفة وأمور عامة من بينها تلك التي تتعلق بقضايا وشئون المرأة وكان من بين زوار صالونها "سعد زغلول ، الشيخ محمد عبده ، لطفي السيد.

وغضبت الأميرة نازلي بشدة وعبرت عن ذلك الغضب للشيخ محمد عبده وتوعدت أن تنشر ستة مقالات في جريدة المقطم -" لسان حال الإنجليز" في مصر ذلك الوقت- ردا على قاسم أمين فيما قاله بشأن ثناؤه على الحجاب واستنكاره للإختلاط بين الجنسين ولكن لم يتم ذلك حيث عاد قاسم عما ذكره في كتابه "المصريون" واتفق معه كلا من الشيخ محمد عبده وسعد زغلول على أن ينشر كتابا يعدل فيه عن أقواله التي ذكرها في كتابه"المصريون" ويؤيد فيه الدوق داركير ويواصل مناصرته لكتاب "المرأة في الشرق" وكان ذاك الكتاب هو"تحرير المرأة"  محور الحديث في المرحلة الثانية في المقال القادم بإذن الله.



  • علاء صلاح الرفاعي
    كاتب إذاعي ومعد برامج بقناة أراك ميديا بالعربي على اليوتيوب ،المنسق الإعلامي لمبادرة دعم المحتوى العربي على الإنترنت برعاية إتحاد أراك "سابقا" ،،، كاتب إذاعي بإذاعة البرنامج العام ،كاتب في موقع مقال كلاود
   نشر في 06 ديسمبر 2015  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا