صدمات الطفولة: مأزق يرافقنا طيلة الحياة - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

صدمات الطفولة: مأزق يرافقنا طيلة الحياة

  نشر في 20 ديسمبر 2023 .

الأسرة هي بيئة الفرد ومهد طفولته فدائما ما تكون لديها من الرغبة في الاهتمام بأبنائها ما قد ينتج عنه آثار معاكسة. إذ يجب أن ندرك أن كل ما زاد عن حده انقلب الى ضده ولو كانت النوايا نوايا حسنة تدعّم أصول التربية وتعزز قيم التعايش الجماعي فإننا في معظم الأحيان وخاصة في المجتمعات العربية نجد أن الرعاية المكثفة والسلطة الأبوية وصدمات الطفولة التي يتعرض لها الأطفال منذ نعومة أظافرهم تسلب منهم ثقتهم في النفس أو تجعل منهم ضحايا تيه ذاتي وجهل بالمسار والهوية وسبل الاندماج مع أترابهم أو في الوسط الأسري. 


صدمات الطفولة مأزق ومضاعفات

صدمة الطفولة (childhood trauma) هي مصطلح في علم النفس أطلق على كل فعل أو موقف أو قول سلبي وجه نحو الطفل أو شهده الطفل- مثل العنف، التعدي، التنمر والإهانة، خلافات الوالدين، الموت والمرض وغيرها من الأحداث السيئة، بل حتى الكلمات والنصائح غير المدروسة قد تسبب صدمة- سبب له تغير في شخصيته أو دُفن في اللاوعي لينطلق بعد ذلك على شكل ردات فعل تلقائية من الشخص ذاته وهو فرد بالغ وعاقل. ليس بالضرورة أن يتأثر الفرد من صدمات الطفولة بشكل سلبي بالغ الخطورة في المستقبل؛ فقد يتطور الإنسان وينمو، الأمر يعتمد كُلِّيًّا على ذاته، ربما ينهي تلك الذكريات أو ربما يسقيها بالغضب والأسى.

" مضاعفات صدمات الطفولة ترافقنا طيلة الحياة ! ، إنها المأزق المتجذر في كل إنسان. " -أميرة مبارك-

قد يظن البعض أن صدمات الطفولة تتمحور حول الصورة المألوفة والمشهورة عن الاعتداءات الجسيمة والجسدية على الطفل، التي تترك من الانطباع عميقه عند الناس فتتناوله الألسنة وتتناقله المجالس إلا أن هذا الاعتقاد خاطئ بحيث أن أكثر الصدمات إنتشارا تنحصر في كلمات جارحة وجهت للطفل أو مواقف قصيرة الأمد مديدة الأثر ينساها مُحدِثها ويخلدها متقبلها وهي مواقف بسيطة في ذهن الآباء ولكنها تعد كارثة بالنسبة للأبناء.


الأسرة اللاواعية رحم الصدمات 

يكاد يكون التحصل على شخصية سليمة ولدت ونشأت بين أحضان أسرة واعية بأهمية الفعل التربوي وأبعاده، غاية استثنائية نادرة الحدوث. وبما أن الأسرة هي الحاضن الأول للطفل والناقل المباشر واللامباشر لقيمه ومعتقداته والمصمم الرئيسي لهيكل شخصيته ،فهي أيضا المسبب الأول والأساسي لصدمات الطفولة. فالشجار المستمر والخصومات والنقاشات الحادة التي يحضرها الطفل ولا يعي لها سببا أو هدفا، والكلمات التي يلقيها على مسامعه والديه والحب المشروط بنجاح أو تفوق أو مطالبته باظهار قيمة معينة لمجرد التباهي دون إقناعه بأهميتها.. كل ما سبق يحيل إلى خلل في شخصيته وهشاشة نفسية سترافقه طيلة سنوات بسبب أسرة لا واعية كانت بمثابة رحم للصدمات. 

"إن الإنسان الغاضب هو طفل مخذول" - أميرة مبارك- 

تتعدد الأسباب وتتفاوت شدة الصدمة إلا أن النتيجة واحدة غضب مدفون وخذلان يزعزع الثقة ويمزق الفؤاد.. وقد تكون صفعة اليد أرحم بالنسبة للكثيرين من صفعة الحب المشروط فلا يوجد أسوء من شعور الطفل بأنه منبوذ إلى أن يحقق أمنية أمه أو يكون حلم والده المنسي. وقد اجتاح وباء العقاب الصامت وعدم الرضا على الأبناء وعدم الرفق بهم وإظهار المحبة والحنان إلا بشرط أن ينجز فروضه المدرسية أو أن يساعد أمه في الأعمال المنزلية او أن يفرض عليه والده العمل معه في مهنة لم يخترها هو لنفسه، أو أن يكون الأول في دفعته ودون كل ذلك ينظر اليه على أنه ناقص فيشعر هو الآخر ويصدق أنه ناقص ومكروه إلى أن يصل إلى درجة أن يكره الطفل طبيعته ورغباته ويشكك في شخصيته. 


التعافي من صدمات الطفولة 

إن الحقيقة التي لا مهرب منها ولا مفر أن لا أحد في مقدوره أن يتعمد إصابة نفسه بالزهايمر ولأن هذه الصدمات على وجه الخصوص داء لا ذنب للطفل فيه بقدر ما يقع الذنب على عاتق العائلة والمحيط، يكبر الأطفال بشعور القهر والظلم والخوف فلابد أن يكون علاج الماضي بتركه تركا لا عدول بعده. فلا تعافي من صدمات الطفولة إلا بالنسيان لا التناسي، وبالتصالح لا الكرّ خلف المصالح ولابد للطفل أن يعفو بحق وأن يتقبل مساوئ ماضيه ليعيش حاضره ويستعد لخوض مغامرة مستقبله. 

ولكن..

بما أننا نحصد ما نزرعه على الدوام قد تنتظر العائلات التي تركت من الأثر شنيعه في دواخل أطفالها ومزقت براءتهم وشوهت ذكريات طفولتهم أن يعود أولئك الشبان والكهول لرد الجميل والعرفان، فإن العائلة التي تزرع في أطفالها بذور الخوف والجزع والخذلان تحصد بكل تأكيد قطاف الذل والمهانة والعدوان والنفور والجحود. 


ختاما 

إن صدمات الطفولة تخلق شرخا عميقا بين الفرد وعائلته وبين الفرد واستقراره النفسي قد ينتج عنه حالات مأساوية من هشاشة نفسية، اكتئاب، برود تواصلي، وصراع دائم ومقيت. لذلك من الضروري الحرص على الإعتناء بالصحة النفسية للأطفال باعتبارها الركيزة الأولى لبناء شخصية 

متوازنة وسوية. 



   نشر في 20 ديسمبر 2023 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا