“قناديل خيرٍ تنيرُ الدنيا”
نشر في 12 فبراير 2022 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
أذكر أنني في فترة من الصِغَر كنتُ ألعب مع مجموعة من الأطفال.
كانت أعمارنا تتفاوت بين الثامنة والعاشرة.
كان حال البلد آنذاك مستقر نوعاً ما، لكن (إجتماعياً) لم يكن هنالك إستقرار في الأخلاق كأطفالٍ في مُقتبل العمر.
حيث أنهم كانوا يسلكون سلوكيات غريبة توحي بالجهل والتخلّف مجرّده من الأخلاق ويكأننا لازلنا في فترة الجاهلية أي ماقبل الإسلام.. متناسيين أن (التّقوى) هي المعيار الإلهي الذي ميّز بها الله بين المؤمنين.
ولا أوجِهُ كلمة "مُتناسيين" إليهم هم (كأطفال)، بل للكِبار اللذين يرونهم يرتكبون مثل هذه التصرفات ولا يستنكروا مايقومون به.
لكن ومع ذلك هذا لا يعني أن الأخلاق لم يكن لتكن لو لم يكن هنالك شيء إسمه "الإسلام"، ولكن نبيُ هذا الدين محمد صلوات ربي وسلامه عليه أتى ليُرسّخ هذا الأخلاق ويُتّمم مكارمها كما قال(ص) : "إنّما بُعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق".
كُنّا لا ندرك ماهي الصعوبات التي يواجهها الآتيين الى بلدنا سواءاً من أتوا هرباً من الحرب أو للدراسة..
لكنَّ في تلك الفترة على الأغلب كان هنالك تهافت كبير لدراسة اللغة العربية لغير الناطقين بها، فمن أفريقيا أتى بعضهم وأتى البعض من استراليا أو من شرق آسيا..
في تلك الأثناء كان إذا مر هؤلاء من أمامنا كان البعض يُسيئ إليهم بألفاضٍ بذيئة وكان الآخر يرميهم بالحجارة!!
لم يكن بوسعي في ذلك الحين إلّا أن أقف متألماً في داخلي، مستاءاً منهم ومن نفسي التي لم تحرّك ساكناً ولم يصدر منّي أيُّ رَدّةُ فعلٍ لما حدث، متجنباً أن أي عراك معهم قد يُفقِدُني صداقتهم.
الغريب في الأمر أنه لم يقم أحد الكبار بإستنكار هذه الممارسات وإرشادهم أن هذا الشخص ضيفٌ في بلدنا ويجب أن نُحسن في تعاملنا معه أو أقل القليل أن نُسلّمهم الشرِ الذي يصدر منّا!
لم يكن أثر "الجهل" قد خصَّ أو إستهدف (الأطفال) فقط بجعلهم يسلكوا مثل هذه السلوكيات، فالكبار أيضاً لم يسلموا من الوقوع في هذا المستنقع، بل وأنه كان لهم الدور الأكبر في إستمرار هذه الظاهرة..!
ومن جهة كان (الفقر) أيضاً قد ظهر و بات تأثيرُ مفعولهُ واضحاً بشكلٍ سلبي.
حيث كان يلعب دوراً محوريٍ في جعل الأبوين ينشغلوا بالبحث عن لقمة العيش تاركين خلفهم حُزمةٍ من الأطفالِ، ظناً منهم أن حاجة الطفل تكمُنُ في إشباعُ بطنه..!
لآسيما وأنه من عاداتنا نحن ك مسلمين أو ك (عرب) زيادة نسبة الإنجاب أي أن كلَ أسرهٍ لا يقلُ عدد أطفالها عن خمسة أطفال.
لكن هذا لا يعني أنه لم يكن هنالك اُناس يعوا أهمية النظر لهذه المشاكل ومدى خطورتها ومحاولة إيجاد العلاج الروحي الذي سيُرقّي من سلوك الطفل أمام المجتمع.
فمن هؤلاء الذين بادروا بالنظرِ إلى هذه المشكلة بعين الإعتبار وكان لهم تأثير حقيقي وفعّال، شخصية من الشخصيات المثقفة والواعية أ. عبدالسلام وابل ،الذي رغم أنه كان يعمل مدرساً لمادة الأحياء في مدرسة "ثانوية تعز الكبرى"، إلا أنه كان يُخصّصُ حصةً كبيرةً من وقتهِ لتربية الأطفال روحياً بإصطحابهم الى حلقاتٍ لقراءةِ القرآن الكريم، وجسدياً بالذهابِ لممارسة الرياضة وزرعِ القيمِ الأخلاقية المجيدة وترسيخها في نفوسهم، بإسلوبهِ المرن والسلس وهو ماكانت تقتضيه تلك الفترة الذي كان يناسبها هذا النوع من التعامل.
ونتيجة لذلك وإنعكاساً للدور الذي أبدى به هذا الرجل وغيره تجاه الأطفال لوحِظَ مع مرور الوقت أنه ثمة اخلاق جميلة بدأت تفوح رائحةُ الجمال منها وبدأت تلوحُ على سلوكياتِ الأطفالِ وفي أخلاقهم وتعاملهم.
-
أيمن المخلافي Aıman Almekhlafıطالب علاقات دولية ,باحث كاتب في القضايا السياسية و الإجتماعية