توطئة:
لهند مكانةٌ عزيزة في نفسي، لمّا برق في خاطري لهيبُ حماسها تجاه أمتها، انثالت هذه الكلمات.. فإلى كلِّ من شابهت أوصافُها هند أرسل هذه الكلمات .
إلى هند :
في كلِّ مرةٍ تدهمني فيه إحدى رسائلكِ في دوّامةِ الانشغالات تظلُّ دائرةً في خاطري، حاضرةً فى ذهني أيامًا وأيامًا -لا سيّما الأخيرة- حتى يلقي بها التسويفُ في ريحٍ سحيق!
فليس -والله- تأخّري ياهندُ إعراضًا أو نسيانًا بل ممّا توقدين من مصابيح الفخر مايعجزُ أن يُسفر عن بيانِه قلمي، أو تعبّر عنه كلماتي .
"الليلُ في عيني يا هندُ تجذَّرا
والصبحُ أعْرَضَ وجههُ وتصعَّرا !
وكأنّ حالي حال غُصنٍ أخضرٍ
مرَّ الخريفُ بـ بابهِ ، فـ تكسَّرا"
رغم ذلك؛ تمنحيني بهجةً لا أحبُّ أن أفرّط في الزّهوّ بها،
شاخت الهمم رغم فتوّها وأنتِ ماتزالين -بحماسكِ المتوقِّد- متألقةً فتيَّة رغمًا عن أنفِ زمن الانكسار واليأس!
تكسّرت الأجنحة، قلّما نرى أسراب الطيور أو نسمعَ ترنيمها.. حظّنا منها العويل!
أمّا أنتِ ياهند فمحلِّقةً على جناحَيْ عزمٍ وإقدام! تملكين عُمقًا أعجز عن وصفه، يبدّد شحوب عزمنا ويقلعُ جذور وهننا...
تكشّفت أستارُ الضعف وزالت الأقنعة، تغلغلت الأمراضُ في روح أمّتنا القويّة، تهرّب من القضايا أهلُها ياهند ؛ وأراكِ واقفةً على حصونكِ، تصدّين معاول اليأس أن تَثلِم قلاعَها أو تدكّ إباءها.
ثمّة إيراقٌ لا يحتاج لحاذقٍ أو لمّاح أن يبصرَه جليًّا فيكِ تجاه نصرة مبادئك وقضايا أمتك، كأنّ سحابةَ عزةٍ سحّاءَ ظلّلت سماءك .
ما إن تعصفُ بنا نازلة إلا ورأيكِ صادحٌ بالحقِّ فيها، أو تحلّ بنا فادحة إلا وأنتِ في أوائل منكريها .
حين أراكِ أبصرُ شبابًا سُخّر للأمة، هكذا صُبّ في وعائها صبًا!
" أدري بأنّك لا تُحَدّ بوصفِنَا
كالشّمسِ وهي توزِّع الأنوارَا"
فاللهمّ أعِذ ملاحتها من ذبولٍ يعروها أو تراخٍ يحبطها.
أحبّ صوتك الدّاوي بالإسلام، مارتمتِ بكلمةٍ إلّا ألقاها الله مشنَّفةً على مسمَعي فأتيقَّن أصولها! أقول: هذه الهندُ سيكون لها في نصرتنا سهمٌ نافذ لو أنّ الله أيّدها.
لطوامح أمنياتك طريقٌ وعرٌ وشاق ولعلّها هي مسالكُ المجدِ التي نقرأ كثيرًا عنها، ألم يقولوا ياهند: " إذا عظم المطلوبُ قلّ المساعد "
ايهٍ، كم أنّ المنى صبّبت عرق جهادنا في هذه الحياة فمسحناها بأيد ترتعدُ من العناء!
أمّا أنا ياهند... إذ أتأخّر أو تفلت يدك منّي -قسرًا- في الطريق، إياكِ أن يعرقل وثْباتكِ مجحفٌ مثلي، أو يُقعدَ همّتك متواطئٌ أو يرخيَ عزمكِ واهن!
وكيف تقفين ونحنُ الذين ردّدنا معًا: "إذا جلستُ أنا فمن عساهُ يبقى واقفًا؟"
فإذا جلستُ فأوقفيني معك، وعضّي على نواجذ إخائنا، ذكريني أننا ماجئنا لنقعد ولا لنحتفل بمآثر أبطال أمتنا، بل جئنا لرسالةٍ نبلّغها للناس إخلاصًا وإيمانًا .
قولي لي ياهند: أن الحوادث الجِسام تتطلبُ هممًا عِظام، وأنّ "من عادةِ التاريخ ألّا يلتفت للأممِ التى تغطّ فى نومها، وإنّما يتركها لأحلامها"!
أورق الله بكِ نضرة الدين، وأوردكِ المكارم واستعملكِ في العظائم ، ولا زالت بك بهجةٌ وهمةٌ ورفعةٌ ماتلألأ بارق وما عزّ سامق .. لك الدعوات بالحُب مرسلات، وبأمانينا -التي حملتِها على عاتقك- مرتِّلات
دُمتِ في عزّةٍ وتألُّق
جمان
ربيع الأول 1441هـ
* على الهامش: الباعث لكتابة هذه الرسالة طلبُ هند الذي عجزتُ عن إيفائه فعضدتني مشاعري كأنها تثأر لي من خيباتي المتكررة تجاه من أحبّ وهندٍ خصوصًا.